وقال ابن عطية :
﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) ﴾
وفي حرف أبي بن كعب :" ما كان الذين "، وفي حرف ابن مسعود :" لم يكن المشركين وأهل الكتاب منفكين " وقوله تعالى :﴿ منفكين ﴾ معناه منفصلين متفرقين، تقول انفك الشيء عن الشيء إذا انفصل عنه، وما انفك التي هي من أخوات كان لا مدخل بها في هذه الآية، ونفى في هذه الآية أن تكون هذه الصنيعة منفكة، واختلف الناس عماذا، فقال مجاهد وغيره : لم يكونوا ﴿ منفكين ﴾ عن الكفر والضلال حتى جاءتهم البينة، وأوقع المستقبل موضع الماضي في ﴿ تأتيهم ﴾، لأن باقي الآية وعظمها لم يرده بعد، وقال الفراء وغيره : لم يكونوا ﴿ منفكين ﴾ عن معرفة صحة نبوة محمد عليه السلام، والتوكف لأمره حتى جاءتهم البينة تفرقوا عند ذلك، وذهب بعض النحويين إلى هذا النفي المتقدم مع ﴿ منفكين ﴾ يجعلها تلك التي هي مع كان، ويرى التقدير في خبرها عارفين أمر محمد أو نحو هذا، ويتجه في معنى الآية قول ثالث بارع المعنى، وذلك أن يكون المراد لم يكن هؤلاء القوم ﴿ منفكين ﴾ من أمر الله تعالى وقدرته ونظره لهم حتى يبعث إليهم رسولاً منذراً تقوم عليهم به الحجة، وتتم على من آمن النعمة، فكأنه قال : ما كانوا ليتركوا سدى وبهذا المعنى نظائر في كتاب الله تعالى، وقرأ بعض الناس :" والمشركون " بالرفع، وقرأ الجمهور :" والمشركين " بالخفض ومعناهما بين، و﴿ البينة ﴾ معناه : القصة البينة والجلية، والمراد محمد عليه السلام، وقرأ الجمهور :" رسولُ الله " بالرفع وقرأ أبي :" رسولاً " بالنصب على الحال، والصحف المطهرة : القرآن في صحفه، قاله الضحاك وقتادة، وقال الحسن والصحف المطهرة في السماء، وقوله عز وجل :﴿ فيها كتب قيمة ﴾ فيه حذف مضاف تقديره فيها أحكام كتب وقيمة : معناه قائمة معتدلة آخذة للناس بالعدل وهو بناء مبالغة، فإلى ﴿ قيمة ﴾ هو ذكر من آمن من الطائفتين، ثم ذكر تعالى مذمة من لم يؤمن من أهل الكتاب من بني إسرائيل من أنهم لم يتفرقوا في أمر