وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ لَمْ يَكُنِ الذين كَفَرُواْ ﴾
كذا قراءة العامة، وخَطُّ المصحف.
وقرأ ابن مسعود "لَمْ يَكُنِ المُشْركونَ وأهْلُ الكِتابِ مُنْفَكِّينَ" وهذه قراءة على التفسير.
قال ابن العربيّ :" وهي جائزة في مَعرِض البيان، لا في مَعْرض التلاوة ؛ فقد قرأ النبيّ ﷺ في رواية الصحيح " فَطَلِّقُوهنّ لِقَبْل عِدّتهِن " [ الطلاق : ١ ] وهو تفسير ؛ فإنّ التلاوة : هو ما كان في خطّ المصحف".
قوله تعالى :﴿ مِنْ أَهْلِ الكتاب ﴾ يعني اليهود والنصارى.
﴿ والمشركين ﴾ في موضع جر عطفاً على "أهل الكتاب".
قال ابن عباس :"أهلُ الكتابِ" : اليهود الذين كانوا بيثرِب، وهم قُرَيَظة والنَّضِير وبنو قَيْنُقاع.
والمشركون : الذين كانوا بمكة وحولها، والمدينة والذين حولها ؛ وهم مشركو قريش.
﴿ مُنفَكِّينَ ﴾ أي منتهين عن كفرهم، مائلين عنه.
﴿ حتى تَأْتِيَهُمُ ﴾ أي أتتهم البينة ؛ أي محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل : الانتهاء بلوغ الغاية ؛ أي لم يكونوا ليبلغوا نهاية أعمارهم فيموتوا، حتى تأتيهم البينة.
فالانفكاك على هذا بمعنى الانتهاء.
وقيل :﴿ مُنفَكِّينَ ﴾ زائلين ؛ أي لم تكن مدتهم لتزول حتى يأتيهم رسول.
والعرب تقول : ما انفككتُ أفعل كذا : أي ما زلت.
وما انفك فلان قائماً : أي ما زال قائماً.
وأصل الفَكّ : الفتح ؛ ومنه فك الكتاب، وفَكُّ الخَلخال، وفك السالم.
قال طَرَفة :
فآلَيتُ لا ينفَكُّ كَشْحِي بطانةً...
لِعَضْبٍ رقيق الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدِ
وقال ذو الرمة :
حَرَاجِيجُ ما تَنْفكٌّ إلاَّ مُناخةً...
على الخَسْفِ أَوْ نَرْمِي بهَا بَلداً قفرا
يريد : ما تنفك مناخة ؛ فزاد "إلاَّ".
وقيل :"مُنفَكِّين" : بارحين ؛ أي لم يكونوا ليبرحوا ويفارقوا الدنيا، حتى تأتيهُمُ البينةُ.


الصفحة التالية
Icon