وقال القاسمى :
سورة الزلزلة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾
أي : أصابها ذلك الزلزال الشديد والاهتزاز الرهيب. فالإضافة للتفخيم أو الاختصاص، بمعنى الزلزال المخصوص بها، وهي الرجة التي لا غاية وراءها. والأقرب الأول لآية :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ [ الحج : ١ ]، وقرئ بفتح الزاي، وقد قيل : هما مصدران. وقيل : المفتوح اسم والمكسور مصدر، وهو المشهور.
﴿ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ أي : قذفت ما في باطنها من كنوز ودفائن وأموات وغير ذلك. لشدة الزلزلة وتشقق ظهرها. كقوله :
﴿ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ﴾ [ الانشقاق : ٣ - ٤ ]، والأثقال جمع ثقل، بفتحتين وهو متاع المسافر وكل نفيس مصون. وهذا على الاستعارة. ويجوز أن يكون بكسر فسكون بمعنى حمل البطن، على التشبيه أيضاً ؛ لأن الحمل يسمى ثقلاً كما في قوله تعالى :
﴿ فَلَمَّا أَثْقَلَت ﴾ [ الأعراف : ١٨٩ ]، قاله الشريف المرتضى في " الدرر ".
﴿ وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا ﴾
أي : قال مَن يكون مِن الْإِنْسَاْن شاهداً لهذا الزلزال الذي فاجأه ودهشه ولم يعهد مثله : ما لهذه الأرض رجّت الرجة الهائلة، وبعثر ما فيها من الأثقال المدفونة ؟ !
﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ بدل من إذا، أي : في ذلك الوقت ﴿ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ أي : تبين الأرض بلسان حالها، ما لأجله زلزالها وإخراج أثقالها. فتدل دلالة ظاهرة على ذلك، وهو الإيذان بفناء النشأة الأولى وظهور نشأة أخرى. فالتحديث استعارة أو مجاز مرسل مطلق الدلالة.
قال أبو مسلم : أي : يومئذ يتبين لكل أحد جزاء عمله، فكأنها حدثت بذلك كقولك : الدار تحدثنا بأنها كانت مسكونة، فكذا انتقاض الأرض بسبب الزلزلة تحدّث أن الدنيا قد انقضت، وأن الآخرة قد أقبلت.


الصفحة التالية
Icon