﴿ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ﴾ الباء سببية متعلق بـ ﴿ تُحَدِّثُ ﴾ أي : تحدث بسبب إيحاء ربك لها، وأمره إياها بالتحديث. والإيحاء استعارة أو مجاز مرسل لإرادة لازمه، وهو إحداث ما تدل به على خرابها.
وقال القاشانيّ : أي : أشار إليها وأمرها بالاضطراب والخراب وإخراج الأثقال، يعني الأمر التكوينيّ، وهو تعلق القدرة الإلهية بما هو أثر لها.
﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً ﴾ أي : ينصرفون عن مراقدهم إلى موطن حسابهم وجزائهم، متفرقين سعداء وأشقياء ﴿ لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي : ليريهم الله جزاء أعمالهم.
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ أي : فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير يرى ثوابه هنالك. والذرة النملة الصغيرة وهي مثل في الصغر. وقيل : الذر هو الهباء الذي يرى في ضوء الشمس إذا دخلت من نافذة.
﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ أي : ومن كان عمل في الدنيا وزن ذرة من شر، يرى جزاءه ثمة.
تنبيهات :
الأول : دل لفظ ﴿ مَن ﴾ على شمول الجزاء بقسميه للمؤمن وغيره.
قال الإمام : أي : ومن يعمل من الخير أدنى عمل وأصغره، فإنه يراه ويجد جزاءه، لا فرق في ذلك بين المؤمن والكافر. غاية الأمر أن حسنات الكفار الجاحدين لا تصل بهم إلى أن تخلصهم من عذاب الكفر، فهم به خالدون في الشقاء. والآيات التي تنطق بحبوط أعمال الكفار، وأنها لا تنفعهم، معناها هو ما ذكرنا، أي : أن عملاً من أعمالهم لا ينجيهم من عذاب الكفر، وإن خفف عنهم بعض العذاب الذي كان يرتقبهم، على بقية السيئات الأخرى، أما عذاب الكفر نفسه فلا يخفف عنهم منه شيء، كيف لا، والله جل شأنه يقول :
﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ].


الصفحة التالية
Icon