وهو سؤال المشدوه المبهوت المفجوء، الذي يرى ما لم يعهد، ويواجه ما لا يدرك، ويشهد ما لا يملك الصبر أمامه والسكوت. مالها ؟ ما الذي يزلزلها هكذا ويرجها رجا ؟ مالها ؟ وكأنه يتمايل على ظهرها ويترنح معها ; ويحاول أن يمسك بأي شيء يسنده ويثبته، وكل ما حوله يمور مورا شديدا !
"والإنسان" قد شهد الزلازل والبراكين من قبل. وكان يصاب منها بالهلع والذعر، والهلاك والدمار، ولكنه حين يرى زلزال يوم القيامة لا يجد أن هناك شبها بينه وبين ما كان يقع من الزلازل والبراكين في الحياة الدنيا. فهذا أمر جديد لا عهد للإنسان به. أمر لا يعرف له سرا، ولا يذكر له نظيرا. أمر هائل يقع للمرة الأولى !
(يومئذ).. يوم يقع هذا الزلزال ويشده أمامه الإنسان (تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها).. يومئذ تحدث هذه الأرض أخبارها، وتصف حالها وما جرى لها.. لقد كان ما كان لها(بأن ربك أوحى لها).. وأمرها أن تمور مورا، وأن تزلزل زلزالها، وأن تخرج أثقالها ! فأطاعت أمر ربها(وأذنت لربها وحقت).. تحدث أخبارها. فهذا الحال حديث واضح عما وراءه من أمر الله ووحيه أليها..
وهنا و"الإنسان" مشدوه مأخوذ، والإيقاع يلهث فزعا ورعبا، ودهشة وعجبا، واضطرابا ومورا.. هنا و"الإنسان" لا يكاد يلتقط أنفاسه وهو يتساءل : مالها مالها ؟ هنا يواجه بمشهد الحشر والحساب والوزن والجزاء :
(يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم. فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره).