والمقام في هذا السياق ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً ﴾ [ الزلزلة : ٦ ]، وهو يوم البعث، وليس هناك مجال للعمل، وكان مقتضى السياق أن يقال : فمن عمل مثقال ذرة خيراً يره. ولكن الصيغة هنا صيغة مضارع، والمقام ليس مقام عمل، ولكن في السياق ما يدل على أن المراد بعمل مثقال ذرة أي من الصنفين ما كان من قبل ذلك، لقوله تعالى ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [ الزلزلة : ٦ ]، فهم إنما يروا في ذلك اليوم أعمالهم التي علموها من قبل، فتكون صيغة المضارع هنا من باب الالتفات، حيث كان السياق أولاً من أول السورة في معرض الإخبار عن المستقبل : إذا زلزلت الأرض زلزالها، وإذا أخرجت الأرض أثقالها، وإذا قال الإنسان ما لها. في ذلك اليوم الآتي تحدث أخبارها، وفي ذلك اليوم يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم التي عملوها من قبل كما في قوله :﴿ يَوْمَ يَنظُرُ المرء مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ [ النبأ : ٤٠ ]، وقوله :﴿ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً ﴾ [ الكهف : ٤٩ ].
ثم جاء الالتفات بمخاطبتهم على سبيل التنبيه والتحذير، فمن يعمل الآن في الدنيا مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل الآن في الدنيا مثقال ذرة شراً يره في الآخرة، ومثال الذرة : قيل : هي النملة الصغيرة، لقول الشاعر :
من القاصرات الطرف لو دب محول... من الذر فوق الإتب منها لأثرا
والإتب : قال في القاموس : الإتب بالكسر، والمئتبة كمكنسة برد يشق، فتلبسه المرأة من غير جيب ولا كمين، وقيل : هي الهباء التي ترى في أشعة الشمس، وكلاهما مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وسيأتي زيادة إيضاح لكيفية الوزن في سورة القارعة إن شاء الله.


الصفحة التالية
Icon