والوحي في كلام العرب إلقاء المعنى إلقاء خفياً، وقال بعض المتأولين :﴿ أوحى لها ﴾ معناه :﴿ أوحى ﴾ إلى ملائكته المصرفين أن تفعل في الأرض تلك الأفعال، وقوله تعالى :﴿ لها ﴾ بمعنى : من أجلها ومن حيث الأفعال فيها فهي لها، وقوله تعالى :﴿ يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ﴾ بمعنى : يتصرفون موضع وردهم مختلفي الأحوال وواحد الأشتات : شت، فقال جمهور الناس : الورد، هو الكون في الأرض بالموت والدفن، والصدر : هو القيام للبعث، و﴿ أشتاتاً ﴾ : معناه : قوم مؤمنون وقوم كافرون، وقوم عصاة مؤمنون، والكل سائر إلى العرض ليرى عمله، ويقف عليه، وقال النقاش : الورد هو ورد المحشر، والصدر ﴿ أشتاتاً ﴾ : هو صدر قوم إلى الجنة، وقوم إلى النار، وقوله تعالى :﴿ ليروا أعمالهم ﴾ إما أن يكون معناه جزاء أعمالهم يراه أهل الجنة من نعيم وأهل النار بالعذاب، وإما أن يكون قوله تعالى :﴿ ليروا أعمالهم ﴾ متعلقاً بقوله :﴿ بإن ربك أوحى لها ﴾، ويكون قوله :﴿ يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ﴾ اعتراضاً بين أثناء الكلام، وقرأ جمهور الناس :" ليُروا "، بضم الياء على بناء الفاعل للمفعول، وقرأ الحسن والأعرج وحماد بن سلمة والزهري وأبو حيوة :" ليَروا " بفتح الياء على بنائه للفاعل، ثم أخبر تعالى أنه من عمل عملاً رآه قليلاً كان أو كثيراً، فخرجت العبارة عن ذلك بمثال التقليل، وهذا هو الذي يسميه أهل الكلام مفهوم الخطاب، وهو أن يكون المذكور والمسكوت عنه في حكم واحد، ومنه قوله تعالى :﴿ فلا تقل لهما أف ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ]، وهذا كثير، وقال ابن عباس وبعض المفسرين : رؤية هذه الأعمال هي في الآخرة، وذلك لازم من لفظ السورة وسردها، فيرى الخير كله من كان مؤمناً، والكافر لا يرى في الآخرة خيراً، لأن خيره قد عجل له في الدنيا، وكذلك المؤمن أيضاً تعجل له سيئاته الصغار في دنياه في المصائب والأمراض ونحوها فيجيء من مجموع هذا أن من عمل


الصفحة التالية
Icon