وهذا هو المناسب لمعنى الآية، وليس لتفسير النقع بالصوت فيها كثير معنى، فإن قولك أغارت الخيل على بني فلان صبحاً، فأثرن به صوتاً، قليل الجدوى مغسول المعنى بعيد من بلاغة القرآن المعجزة.
وقيل النقع : شقّ الجيوب، وقال محمد بن كعب : النقع ما بين مزدلفة إلى منى.
وقيل : إنه طريق الوادي.
قال في الصحاح : النقع الغبار، والجمع أنقاع، والنقع محبس الماء، وكذلك ما اجتمع في البئر منه، والنقع الأرض الحرّة الطين يستنقع فيها الماء.
﴿ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾ أي : توسطن بذلك الوقت، أو توسطن ملتبسات بالنقع جمعاً من جموع الأعداء، أو صرن بعدوهن وسط جمع الأعداء، والباء إما للتعدية، أو للحالية، أو زائدة، يقال : وسطت المكان، أي : صرت في وسطه، وانتصاب جمعاً على أنه مفعول به، والفاآت في المواضع الأربعة للدلالة على ترتب ما بعد كل واحدة منها على ما قبلها.
قرأ الجمهور :﴿ فوسطن ﴾ بتخفيف السين.
وقرىء بالتشديد.
﴿ إِنَّ الإنسان لِرَبّهِ لَكَنُودٌ ﴾ هذا جواب القسم، والمراد بالإنسان بعض أفراده، وهو الكافر، والكنود : الكفور للنعمة.
وقوله :﴿ لِرَبّهِ ﴾ متعلق بكنود.
قدّم لرعاية الفواصل، ومنه قول الشاعر :
كنود لنعماء الرجال ومن يكن... كنوداً لنعماء الرجال يبعد
أي : كفور لنعماء الرجال.
وقيل : هو الجاحد للحقّ.
قيل : إنها إنما سميت كندة، لأنها جحدت أباها.
وقيل : الكنود مأخوذ من الكند.
وهو القطع، كأنه قطع ما ينبغي أن يواصله من الشكر.
يقال كند الحبل : إذا قطعه، ومنه قول الأعشى :
وصول حبال وكنادها... وقيل : الكنود : البخيل، وأنشد أبو زيد :
إن نفسي لم تطب منك نفسا... غير أني أمسي بدين كنود
وقيل : الكنود الحسود.
وقيل : الجهول لقدره، وتفسير الكنود بالكفور للنعمة أولى بالمقام ؛ والجاحد للنعمة كافر لها، ولا يناسب المقام سائر ما قيل.