﴿ وَإِنَّهُ على ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ﴾ أي : وإن الإنسان على كنوده لشهيد يشهد على نفسه به لظهور أثره عليه.
وقيل المعنى : وإن الله جلّ ثناؤه على ذلك من ابن آدم لشهيد، وبه قال الجمهور.
وقال بالأوّل الحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب، وهو أرجح من قول الجمهور لقوله :﴿ وَإِنَّهُ لِحُبّ الخير لَشَدِيدٌ ﴾ فإن الضمير راجع إلى الإنسان، والمعنى : إنه لحبّ المال قويّ مجدّ في طلبه، وتحصيله متهالك عليه، يقال هو شديد لهذا الأمر وقويّ له : إذا كان مطيقاً له، ومنه قوله تعالى :﴿ إِن تَرَكَ خَيْرًا ﴾ [ البقرة : ١٨٠ ] ومنه قول عديّ بن حاتم :
ماذا ترجى النفوس من طلب ال... خير وحبّ الحياة كاربها
وقيل المعنى : وإن الإنسان من أجل حب المال لبخيل، والأوّل أولى.
واللام في :﴿ لِحُبّ ﴾ متعلقة بشديد.
قال ابن زيد : سمى الله المال خيراً، وعسى أن يكون شرّاً، ولكن الناس يجدونه خيراً، فسماه خيراً.
قال الفراء : أصل نظم الآية أن يقال : وإنه لشديد الحبّ للخير، فلما قدّم الحبّ قال : لشديد، وحذف من آخره ذكر الحبّ ؛ لأنه قد جرى ذكره، ولرؤوس الآي كقوله :﴿ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ [ إبراهيم : ١٨ ] والعصوف للريح لا لليوم، كأنه قال : في يوم عاصف الريح.
﴿ أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى القبور ﴾ الاستفهام للإنكار، والفاء للعطف على مقدّر يقتضيه المقام، أي : يفعل ما يفعل من القبائح، فلا يعلم، و ﴿ بعثر ﴾ معناه نثر وبحث، أي : نثر ما في القبور من الموتى، وبحث عنهم وأخرجوا.
قال أبو عبيدة : بعثرت المتاع جعلت أسفله أعلاه.
قال الفرّاء : سمعت بعض العرب من بني أسد يقول : بحثر بالحاء مكان العين، وقد تقدّم الكلام على هذا في قوله :﴿ وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ ﴾ [ الانفطار : ٤ ].
﴿ وَحُصّلَ مَا فِى الصدور ﴾ أي : ميز وبيّن ما فيها من الخير والشرّ، والتحصيل التمييز، كذا قال المفسرون، وقيل : حصل أبرز.