وقال ابن عاشور :
﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) ﴾
فُرع على الإِخبار بكنود الإِنسان وشحه استفهام إنكاري عن عدم علم الإِنسان بوقت بعثرة ما في القبور وتحصيل ما في الصدور فإنه أمر عجيب كيف يغفل عنه الإِنسان.
وهمزة الاستفهام قدمت على فاء التفريع لأن الاستفهام صدر الكلام.
وانتصب ﴿ إذا ﴾ على الظرفية لمفعول ﴿ يعلم ﴾ المحذوف اقتصاراً، لِيَذْهَبَ السامع في تقديره كلَّ مذهب ممكن قصداً للتهويل.
والمعنى : ألا يعلم العذابَ جزاءً له على ما في كنوده وبخله من جناية متفاوتة المقدار إلى حد إيجاب الخلود في النار.
وحُذف مفعولا ﴿ يعلم ﴾ ولا دليل في اللفظ على تعيين تقديرهما فيوكل إلى السامع تقدير ما يقتضيه المقام من الوعيد والتهويل ويسمى هذا الحذف عند النحاة الحذف الاقتصاري، وحذف كلا المفعولين اقتصاراً جائز عند جمهور النحاة وهو التحقيق وإن كان سيبويه يمنعه.
و﴿ بُعثِر ﴾ : معناه قُلب من سفل إلى علوّ، والمراد به إحياء ما في القبور من الأموات الكاملة الأجساد أو أجزائها، وتقدم بيانه عند قوله تعالى :﴿ وإذا القبور بعثرت ﴾ في سورة الانفطار ( ٤ ).
و﴿ حُصِّل ﴾ : جُمع وأُحصي.
و﴿ ما في الصدور ﴾ : هو ما في النفوس من ضمائر وأخلاق، أي جُمع عَدُّه والحسابُ عليه.
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)
جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن الإِنكار، أي كان شأنهم أن يعلموا اطلاع الله عليهم إذا بعثر ما في القبور، وأن يذكروه لأن وراءهم الحساب المدقق، وتفيد هذه الجملة مفاد التذييل.
وقوله :﴿ يومئذ ﴾ متعلق بقوله :﴿ لخبير ﴾، أي عليم.
والخبير : مكنَى به عن المجازى بالعقاب والثواب، بقرينة تقييده بيومئذ لأن علم الله بهم حاصل من وقت الحياة الدنيا، وأما الذي يحصل من علمه بهم يوم بَعثرة القبور، فهو العلم الذي يترتب عليه الجزاء.


الصفحة التالية
Icon