ولكن مما قدمه رحمة الله تعالى علينا وعليه أن من أنواع البيان في الأضواء : أنه إذا اختلف علماء التفسير في معنى وفي الآية قرينة. ترد أحد القولين أو تؤيد أحدهما فإنه يشير إليه.
وقد وجد الختلاف المفسرين في هذه الآيات في نقطة أساسية من هذه الآيات مع اتفاقهم في الألفاظ، ومعانيها والأسلوب وتراكيبه.
ونقطة الخلاف هي معنى الجمع الذي توسطن به، أهو المزدلفة لأن من أسمائها جمعاً كما في الحديث :" وقفت ها هنا وجمع كلها موقف " وهذا مروي عن علي رضي الله عنه، في نقاش بينه وبين ابن عباس. ساقه ابن جرير.
أم بالجمع جمع الجيش في القتال على ما تقدم، وهو قول ابن عباس وغيره. حكاه ابن جرير وغيره.
وقد وجدنا قرائن عديدة في الآية تمنع من إرادة المزدلفة بمعنى جمع، وهي كالآتي : اولاً وصف الخيل أو الإبل على حد سواء بالعاديات، حتى حد الضبح وروى الناب بالحوافر وبالحصا، لأنها أوصاف تدل على الجري السريع.
ومعلوم أن الإفاضة عن عرفات ثم من المزدلفة لا تحتمل هذا العدو، وليس هو فيها بمحمود، لأنه ﷺ كان ينادي " السكينة السكينة " فلو وجد لما كان موضع تعظيم وتفخيم.
ثانياً : أن المشهور أن إثارة النقع من لوازم الحرب، كما قاله بشار :
كأن مثار النفع فوق رؤوسنا... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
أي : لشدة الكر والفر.
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ فالمغيرات صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ﴾ [ العاديات : ٣-٥ ]، جاء مرتباً بالفاء، وهي تدل على الترتيب والتعقيب.
وقد تقدم المغيرات صبحاً، وبعدها فوسطن به جمعاً.
وجمع هي المزدلفة، وإنما يؤتى إليها ليلاً. فكيف يقرن صبحاً، ويتوطن المزدلفة ليلاً.
وعلى ما حكاه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه، أنهم يغيرون صبحاً من المزدلفة إلى منى، تكون تلك الإغارة صبحاً بعد التوسط بجمع، والسياق يؤخرها عن الإغارة ولم يقدمها عليها.


الصفحة التالية
Icon