فتبين بذلك أن إرادة الزدلفة غير متأتية في هذا السياق.
ويبقى القول الآخر وهو الأصح. والله تعالى أعلم.
ولو رجعنا إلى نظرية ترابط السور فيها ترشيحاً لهذا المعنى، وهو أنه في السورة السابقة، ذكرت الزلزلة وصدور الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم.
وهنا حث على أفضل الأعمال التي تورث الحياة الأبدية والسعادة الدائمة في صورة مماثلة، وهي عدوهم أشتاتاً في سبيل الله لتحصيل ذاك العمل الذي يحبون رؤيته في ذلك الوقت، وهو نصرة دين الله أو الشهادة في سبيل الله، والعلم عند الله تعالى.
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦)
هذا الجواب قال القرطبي : الكنود : الكفور الجحود لنعم الله، وهو قول ابن عباس.
وقيل الحسن : يذكر المصائب وينسى النعم، أخذه الشاعر فنظمه :
يا أيها الظالم في فعله... والظلم مردود على من ظلم
إلى متى أنت وحتى متى... تشكو المصيبات وتنسى النعم
وروى أبو أمامة الباهلي قال : قال رسول الله ﷺ :" إن الكنود هو الذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده ".
وروى ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :" ألا أبشركم بشراركم؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : من نزل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده " خرجهما الترمذي الحكيم في نوادر الأصول.
وروى ابن عباس أيضاً أنه قال :" الكنود بلسان كندة وحضرموت : العاصي، وبلسان ربيعة ومضر : الكفور، وبلسان كِنانة : البخيل السيء الملكة ".
وقال مقاتل. وقال الشاعر :
كنود لنعماء الرجال ومن يكن... كَنوداً لنعماء الرجال يُبعّد
أي كفور.
ثم قيل : هو الذي يكفر اليسير، ولا يشكر الكثير.
وقيل : الجاحد للحق.
وقيل : سميت كندة كندة، لأنها جحدت أباها.
وقلا إبراهيم بن هرمة الشاعر :
دع البخلاء إن شمخُوا وصَدوا... ذكري بخل غانيةٍ كنود
في نقول كثيرة وشواهد.
ومنها : الكنود الذي ينفق نعم الله في معصية الله.


الصفحة التالية
Icon