وفي هذا النص مذمة حب المال وهو جبلة في الإنسان، إلا من هذبه الإسلام، إلا أن الذم ينصب على شدة الحب التي تحمل صاحبها على ضياع الحقوق أو تعدي الحدود.
وهذه الآية وما قبلها نازلة في الكفار كما قدمنا كلام الشيخ رحمة اله تعلاى علينا وعليه في إملائه.
أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩)
البعثرة : الانتثار.
وقال الزمخشري : إن هذه الكلمة مأخوذة من أصلين : البعث والنثر.
فالبعث : خروجهم أحياء.
والنثر : الانتشار كنثر الحب، فهي تدل على بعثهم منتشرين.
وقد نص تعالى على هذا المعنى في قوله :﴿ وَإِذَا القبور بُعْثِرَتْ ﴾ [ الانفطار : ٤ ]، أي بعثر من فيها.
وقوله :﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث سِرَاعاً ﴾ [ المعارج : ٤٣ ].
وقوله :﴿ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ [ القمر : ٧ ].
وقوله :﴿ يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث ﴾ [ القارعة : ٤ ].
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠)
قيل : حصل أي أُبرز. قاله ابن عباس.
وقيل : ميز الخير من الشر.
والحاصل من كل شيء ما بقي.
قال لبيد :
وكل امرئ يوماً سيعلم سعيه إذا حصلت عند الإله الحصائل.
والمراج بما في الصدور الأعمال، وهذا كقوله :﴿ يَوْمَ تبلى السرآئر ﴾ [ الطارق : ٩ ].
ونص على الصدور هنا، مع أن المراد القلوب، لأنها هي مناط العمل ومعقد النية.
والعقيدة وصحة الأعمال كلها مدارها على النية، كما في حديث :" إنما الأعمال بالنيات " وحديث :" ألا أن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله " الحديث.
وقال الفخر الرازي : خصص القلب بالذكر، لأنه محل لأصول الأعمال.
ولذا ذكره في معرض الذم، فإنه ﴿ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٣ ]، وفي معرض المدح ﴿ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [ الأنفال : ٢ ].
ويشهد لما قاله قوله :﴿ إِلاَّ مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [ الشعراء : ٨٩ ].
وقوله :﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [ البقرة : ٧٤ ].


الصفحة التالية
Icon