وقال الفراء :" أصلُ نَظْمِ الآية أَنْ يقالَ : وإنه لشديدُ الحُبِّ للخير، فلما قَدَّم " الحُبّ " قال : لشديد، وحَذَفَ مِنْ آخرِه ذِكْرَ " الحُبِّ " ؛ لأنه قد جرى ذِكْرُه، ولرؤوسِ الآي كقولِه :﴿ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ [ إبراهيم : ١٨ ] والعُصُوف للريح لا لليوم، كأنه قال : في يومٍ عاصفِ الريحِ ".
أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩)
قوله :﴿ إِذَا بُعْثِرَ ﴾ : في العاملِ فيها أوجهٌ أحدُها :" بُعْثِرَ " نقله مكي عن المبرد وتقدَّم تحريرُ هذا قريباً في السورةِ قبلَها. والثاني : أنه ما دَلَّ عليه خبرُ " إنَّ " أي : إذا بُعْثر جُوزوا. والثالث : أنه " يَعْلَمُ "، وإليه ذهب الحوفيُّ وأبو البقاء. ورَدَّه مكيُّ قال :" لأنَّ الإِنسانَ لا يُرادُ منه العِلْمُ والاعتبارُ ذلك الوقتَ، وإنما يَعْتَبِرُ في الدنيا ويعلَمُ " وقال الشيخ :" وليس بمتَّضِحٍ لأنَّ المعنى : أفلا يعلَمُ الآن.
وكان قد قال قبل ذلك :" ومفعولُ يَعْلَمُ محذوفٌ وهو العاملُ في الظرفِ، أي : أفلا يعلم مآلَه إذا بُعْثِرَ " انتهى. فجَعَلَها متعديةً في ظاهرِ قولِه إلى واحدٍ، وعلى هذا فقد يُقال : إنها عاملةٌ في " إذا " على سبيلِ أنَّ " إذا " مفعولٌ به لا ظرفٌ إذ التقديرُ : أفلا يَعْرِفُ وقتَ بَعْثَرَةِ القبورِ. يعني أَنْ يُقِرَّ بالبعثِ ووقتِه، و " إذا " قد تصرَّفَتْ وخَرَجَتْ عن الظرفيةِ، ولذلك شواهدُ تقدَّم ذِكْرُها في غضونِ هذا التصنيفِ. الرابع : أنَّ العاملَ فيها محذوفٌ، وهو مفعولٌ " يَعْلَمُ " كما تقدَّم تقريرُه، أي : يعلمُ مآلَه إذا بُعْثِرَ. ولا يجوزُ أن يعملَ فيه " لَخبيرٌ " لأنَّ ما في حَيِّز " إنَّ " لا يتقدَّمُ عليها.