أنه تعالى إنما أقسم بالخيل لأن لها في العدو من الخصال الحميدة ما ليس لسائر الدواب، فإنها تصلح للطلب والهرب والكر والفر، فإذا ظننت أن النفع في الطلب عدوت إلى الخصم لتفوز بالغنيمة، وإذا ظننت أن المصلحة في الهرب قدرت على أشد العدو، ولا شك أن السلامة إحدى الغنيمتين، فأقسم تعالى بفرس الغازي لما فيه من منافع الدنيا والدين، وفيه تنبيه على أن الإنسان يجب عليه أن يمسكه لا للزينة والتفاخر، بل لهذه المنفعة، وقد نبه تعالى على هذا المعنى في قوله :﴿والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ [ النحل : ٨ ] فأدخل لام التعليل على الركوب وما أدخله على الزينة وإنما قال :﴿صُبْحاً﴾ لأنه أمارة يظهر به التعب وأنه يبذل كل الوسع ولا يقف عند التعب، فكأنه تعالى يقول : إنه مع ضعفه لا يترك طاعتك، فليكن العبد في طاعة مولاه أيضاً كذلك.
المسألة الثانية :
ذكروا في انتصاب ﴿ضَبْحاً﴾ وجوهاً أحدها : قال الزجاج : والعاديات تضبح ضبحاً وثانيها : أن يكون ﴿والعاديات﴾ في معنى والضابحات، لأن الضبح يكون مع العدو، وهو قول الفراء وثالثها : قال البصريون : التقدير : والعاديات ضابحة، فقوله :﴿ضَبْحاً﴾ نصب على الحال.
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢)
فاعلم أن الإيراء إخراج النار، والقدح الصك تقول : قدح فأورى وقد فأصلد، ثم في تفسير الآية وجوه أحدها : قال ابن عباس : يريد ضرب الخيل بحوافرها الجبل فأورت منه النار مثل الزند إذا قدح، وقال مقاتل : يعني الخيل تقدحن بحوافرهن في الحجارة ناراً كنار الحباحب (١) والحباحب اسم رجل كان بخيلاً لا يوقد النار إلا إذا نام الناس، فإذا انتبه أحد أطفأ ناره لئلا ينتفع بها أحد.

(١) ويقال : الحباحب طائر صغير كالذبابة تضيء ليلا فيظنه الرائي نارا.


الصفحة التالية
Icon