وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون المراد بقوله :﴿ جمعاً ﴾ اسم المزدلفة حيث المشعر الحرام.
ومناسبة القسم بهذه الموصوفات دون غيرها إن أريد رواحل الحجيج وهو الوجه الذي فسر به علي بن أبي طالب هو أن يصدّق المشركون بوقوع المقسم عليه لأن القسم بشعائر الحج لا يكون إلا باراً حيث هم لا يصدقون بأن القرآن كلام الله ويزعمونه قول النبي صلى الله عليه وسلم
وإن أريد بـ ﴿ العاديات ﴾ وما عطف عليها خيل الغزاة، فالقسم بها لأجل التهويل والترويع لإِشعار المشركين بأنَّ غارة تترقبهم وهي غزوة بدر، مع تسكين نفس النبي ﷺ من التردد في مصير السرية التي بعث بها مع المُنذر بن عَمْرو إذا صحّ خبرها فيكون القسم بخصوص هذه الخيل إدماجاً للاطمئنان.
وجملة :﴿ إن الإنسان لربه لكنود ﴾ جواب القسم.
والكَنود : وصف من أمثلة المبالغة من كَند ولغات العرب مختلفة في معناه فهو في لغة مضر وربيعةَ : الكفور بالنعمة، وبلغة كنانة : البخيل، وفي لغة كِندة وحضرموت : العاصي.
والمعنى : لشديد الكفران لله.
والتعريف في ﴿ الإنسان ﴾ تعريف الجنس وهو يفيد الاستغراق غالباً، أي أن في طبع الإنسان الكُنود لربه، أي كفرانَ نعمته، وهذا عارض يعرض لكل إنسان على تفاوتتٍ فيه ولا يسلم منه إلا الأنبياء وكُمَّل أهل الصلاح لأنه عارض ينشأ عن إيثار المرء نفسه وهو أمر في الجبلة لا تدفعه إلا المراقبة النفسية وتذكّرُ حق غيره.
وبذلك قد يذهل أو ينسَى حق الله، والإِنسان يحس بذلك من نفسه في خطراته، ويتوانى أو يغفل عن مقاومته لأنه يشتغل بإرضاء داعية نفسه والأنفس متفاوتة في تمكن هذا الخُلق منها، والعزائم متفاوتة في استطاعة مغالبته.