﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ﴾ أي : كالصوف المندوف في تفرق أجزائها وتطايرها في الجو. ولما كان من المعلوم أن ذلك اليوم هو اليوم الذي تبتدئ فيه الحياة الآخرة، وفيها تعرف مقادير الأعمال وما تستحقه من الجزاء، رتب عليه قوله تعالى :
﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾
قال ابن جرير : أي : فأما من ثقلت موازين حسناته، يعني بالموازين الوزن. والعرب تقول : لك عندي درهم بميزان درهمك، ويقولون : داري بميزان دارك ووزن دارك، يراد حذاء دارك. قال الشاعر :
~قد كنتُ قبل لقائكم ذا مِرَّة عندي لكلِّ مخاصم ميزانُهُ
يعني بقوله : ميزانه كلامه وما ينقض عليه حجته. وكان مجاهد يقول : ليس ميزان إنما هو مثل ضرب. انتهى.
وعليه فالموازين جمع ميزان. وجوز كونهُ جمع موزون، وهو العمل الذي له خطر ووزن عند الله تعالى. ومعنى قوله :
﴿ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ أي : في عيشة قد رضيها في الجنة، فـ ﴿ رَّاضِيَةٍ ﴾ بمعنى مرضية على التجوز في الكلمة نفسها أو في إسنادها، أو استعارة مكنية وتخييلية.
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ﴾ أي : وزن حسناته.
﴿ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ أي : فمأواه ومسكنه الهاوية التي يهوي فيها على رأسه في جهنم.
قال الشهاب : فسمى المأوى أُمّاً على التشبيه تهكماً ؛ لأن أم الولد مأواه ومقره. وفي "التأويلات " : قيل المراد أم رأسه، أي : يلقى في النار منكوساً على رأسه. انتهى.
والأول هو الموافق لقوله :﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ فإنه تقرير لها بعد إبهامها، والإشعار بخروجها عن الحدود المعهودة للتهويل. أصل ﴿ مَا هِيَهْ ﴾
ماهي، كناية عن الهاوية فأدخل في آخرها هاء السكت وقفاً. وتحذف وصلاً، وقد أجيز إثباتها مع الوصل. أ هـ ﴿محاسن التأويل حـ ١٧ صـ ٤٦٧ ـ ٤٦٩﴾


الصفحة التالية
Icon