وقال الشيخ سيد قطب :
سورة القارعة
الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢)
تقرع القلوب بهولها.
والسورة كلها عن هذه القارعة. حقيقتها. وما يقع فيها. وما تنتهي إليه.. فهي تعرض مشهدا من مشاهد القيامة.
والمشهد المعروض هنا مشهد هول تتناول آثاره الناس والجبال. فيبدو الناس في ظله صغارا ضئالا على كثرتهم : فهم (كالفراش المبثوث)مستطارون مستخفون في حيرة الفراش الذي يتهافت على الهلاك، وهو لا يملك لنفسه وجهة، ولا يعرف له هدفا ! وتبدو الجبال التي كانت ثابتة راسخة كالصوف المنفوش تتقاذفه الرياح وتعبث به حتى الأنسام ! فمن تناسق التصوير أن تسمى القيامة بالقارعة، فيتسق الظل الذي يلقيه اللفظ، والجرس الذي تشترك فيه حروفه كلها، مع آثار القارعة في الناس والجبال سواء ! وتلقي إيحاءها للقلب والمشاعر، تمهيدا لما ينتهي إليه المشهد من حساب وجزاء !
(القارعة. ما القارعة ؟ وما أدراك ما القارعة ؟)..
لقد بدأ بإلقاء الكلمة مفردة كأنها قذيفة :(القارعة)بلا خبر ولا صفة. لتلقي بظلها وجرسها الإيحاء المدوي المرهوب !
ثم أعقبها سؤال التهويل :(ما القارعة ؟).. فهي الأمر المستهول الغامض الذي يثير الدهش والتساؤل !
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (٩) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (١٠) نَارٌ حَامِيَةٌ (١١)
ثم أجاب بسؤال التجهيل :(وما أدراك ما القارعة ؟).. فهي أكبر من أن يحيط بها الإدراك، وأن يلم بها التصور !
ثم الإجابة بما يكون فيها، لا بماهيتها. فماهيتها فوق الإدراك والتصور كما أسلفنا :
(يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش)..


الصفحة التالية
Icon