وعلى الثاني : فهو إسناد حقيقي من إسناد الرضى لمن وقع منه أو قام به. زمما هو جدير بالذكر أن حمله على الأسلوب البياني ليس متجهاً كالآية الأخرى، لأن العيشة ليست محلاً لغيرها بل هي حالة، والمحل الحقيقي هو الجنة والعيشة حالة فيها، وهي اسم لمعاني النعيم كما تقدم، فيكون حمل الإسناد على الحقيقة أصح.
وقد جاءت الأحاديث : أن الجنة تحس بأهلها وتفرح بعمل الخير، كما أنها تتزين وتبتهج في رمضان، وأنها تناظرت مع النار. وكل يدلي بأهله وفرحة بهم، حتى وعد الله كلاً بملئها.
ونصوص تلقي الحور والولدان والملائكة في الجنة لأهل الجنة بالرضى والتحية معلومة.
وقوله :﴿ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ ﴾ [ يس : ٥٧ ]، أي لا يتأخر عنهم شيء.
وقوله :﴿ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ ﴾ [ الزمر : ٧٣ ].
وقوله :﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطرف لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ ﴾ [ الرحمن : ٥٦ ].
وقاصرات الطرف عن رضى بأهلهن. ومنه ﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ﴾ [ الرحمن : ٧٢ ]، أي على أزواجهن.
وقوله :﴿ وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً ﴾ [ الإنسان : ١٤ ]، ونحو ذلك، مما يشعر بأنه نعيم الجنة بنفسه راض بأهل الجنة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (٩)
وقع الخلاف في المراد من قوله :﴿ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾، هل المراد بأمه مأواه وهي النار، وأن هاوية من أسمائها، أم المراد بأمه رأسه وأن هاوية من الهوى، فيلقى في النار منسكاً رأسه يهوى في النار.
وقد بحث الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ذلك في دفع إيهام الاضطراب، ولا يبعد من يقول إنه لا تعارض بين القولين.


الصفحة التالية
Icon