"جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ" الآية ٢٧ من سورة فاطر الآتية، وما جرينا عليه أنسب بالمقام لأن الآية المستدل بها تبين ماهية الطرق في الجبال وأن كل طريق بلون أرضه بمناسبة تعداد نعم اللّه على خلقه، وهنا يبين كيفية اضمحلال الناس معنى بالنسبة للجملة قبلها المبينة من تشتت الناس والجبال مع عظمتها أما الطرق فلم يسبق لها ذكر ولا مناسبة بينها وبين ما نحن فيه فتنبه أيها القارئ واعتبر، فإذا كان هذا حال الجبال الصلبة في ذلك اليوم تكون هباء وتتطاير كالصوف حالة النّدف.
فكيف بك أيها الضعيف عند ما تقرع القارعة.
وتأمل ما ذكره اللّه أول سورة الحج في ج ٣ وابك على نفسك، وقل اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وبك المستغاث وأنت المستعان وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا باللّه.
ثم انه
جل شأنه قسم عباده إلى قسمين فقال "فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ٦" بعمله الصالح وطاشت سيئاته لقلتها "فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ ٧" في جنة عالية يرضاها صاحبها برضاء اللّه "وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ٨" بعمله الطالح وطاشت.
وثقلت أعماله السيئة "فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ ٩" في نار حامية يزج فيها ويقال للمأوى أم على التشبيه لأن الولد يفزع لأمه عند ما يخاف والأم تأوى له فإذا كبر لجأ إلى أبيه عند النوائب فإذا كبر لجأ إلى الحاكم فإذا فقه لجأ إلى السلطان، وهكذا يتدرج بسبب انكشاف القوة التي هي أعلى حتى يتم عقله فيلجأ إلى اللّه حتى يتبين له أن كل أحد عاجز عما يريده إلا اللّه، وهكذا الناس الآن فلو أنهم لجأوا إلى اللّه قبل كل شيء بعقيدة راسخة لما احتاجوا لمن هو دونه والهاوية اسم من أسماء النار لا يدرك قعرها يأوي إليها المجرمون أجارنا اللّه منها.