في إعراب قوله :﴿القارعة مَا القارعة﴾ وجوه أحدها : أنه تحذير وقد جاء التحذير بالرفع والنصب تقول : الأسد الأسد، فيجوز الرفع والنصب وثانيها : وفيه إضمار أي ستأتيكم القارعة على ما أخبرت عنه في قوله :﴿إِذَا بُعْثِرَ مَا فِى القبور﴾ [ العاديات : ٩ ] وثالثها : رفع بالابتداء وخبره :﴿مَا القارعة﴾ وعلى قول قطرب الخبر.
﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة﴾ فإن قيل : إذا أخبرت عن شيء بشيء فلا بد وأن تستفيد منه علماً زائداً، وقوله :﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ يفيد كونه جاهلاً به فكيف يعقل أن يكون هذا خبراً ؟ قلنا : قد حصل لنا بهذا الخبر علم زائد، لأنا كنا نظن أنها قارعة كسائر القوارع، فبهذا التجهيل علمنا أنها قارعة فاقت القوارع في الهول والشدة.
المسألة الثالثة :
قوله :﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة﴾ فيه وجوه أحدها : معناه لا علم لك بكنهها، لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها وهم أحد ولا فهمه، وكيفما قدرته فهو أعظم من تقديرك كأنه تعالى قال : قوارع الدنيا في جنب تلك القارعة كأنها ليست بقوارع، ونار الدنيا في جنب نار الآخرة كأنها ليست بنار، ولذلك قال في آخر السورة :
﴿نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ [ القارعة : ١١ ] تنبيهاً على أن نار الدنيا في جنب تلك ليست بحامية، وصار آخر السورة مطابقاً لأولها من هذا الوجه.
فإن قيل : ههنا قال :﴿وَمَا أَدْرَاكَ ما القارعة﴾ وقال في آخر السورة :﴿فَأُمُّهُ هاويه وما أدراك ماهيه﴾ [ القارعة : ٩، ١٠ ] ولم يقل : وماأدراك ما هاوية فما الفرق ؟ قلنا : الفرق أن كونها قارعة أمر محسوس، أما كونها هاوية فليس كذلك، فظهر الفرق بين الموضعين وثانيها : أن ذلك التفصيل لا سبيل لأحد إلى العلم به إلا بأخبار الله وبيانه، لأنه بحث عن وقوع الوقعات لا عن وجوب الواجبات، فلا يكون إلى معرفته دليل إلا بالسمع.
المسألة الرابعة :