قال الفراء : كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً، وبالجملة فالله سبحانه وتعالى شبه الناس في وقت البعث بالجراد المنتشر، وبالفراش المبثوث، لأنهم لما بعثوا يموج بعضهم في بعض كالجراد والفراش، ويأكد ما ذكرنا بقوله تعالى :﴿فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً﴾ [ النبأ : ١٨ ] وقوله :﴿يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين﴾ [ المطففين : ٦ ] وقوله في قصة يأجوج ومأجوج :﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ﴾ [ الكهف : ٩٩ ] فإن قيل : الجراد بالنسبة إلى الفراش كبار، فكيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معاً ؟ قلنا : شبه الواحد بالصغير والكبير لكن في وصفين.
أما التشبيه بالفراش فبذهاب كل واحدة إلى غير جهة الأخرى.
وأما بالجراد فبالكثرة والتتابع، ويحتمل أن يقال : إنها تكون كباراً أولاً كالجراد، ثم تصير صغاراً كالفراش بسبب احتراقهم بحر الشمس، وذكروا في التشبيه بالفراش وجوهاً أخرى أحدها : ما روى أنه عليه السلام قال :" الناس عالم ومتعلم، وسائر الناس همج رعاع " فجعلهم الله في الأخرى كذلك : جزاء وفاقاً وثانيها : أنه تعالى إنما أدخل حرف التشبيه، فقال :﴿كالفراش﴾ لأنهم يكونون في ذلك اليوم أذل من الفراش، لأن الفراش لا يعذب، وهؤلاء يعذبون، ونظيره :﴿كالأنعام بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾
[ افرقان : ٤٤ ] الصفة الثانية : من صفات ذلك اليوم قوله تعالى :﴿وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش﴾ العهن الصوف ذو الألوان، وقد مر تحقيقه عند قوله :﴿وَتَكُونُ الجبال كالعهن﴾ [ المعارج : ٩ ] والنفش فك الصوف حتى ينتفش بعضه عن بعض، وفي قراءة ابن مسعود : كالصوف المنفوش.