وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ القارعة * مَا القارعة ﴾
أي القيامة والساعة ؛ كذا قال عامة المفسرين.
وذلك أنها تقرع الخلائق بأهوالها وأفزاعها.
وأهل اللغة يقولون : تقول العرب قَرَعَتْهُمُ القارعة، وفَقَرَتْهُمُ الفاقِرة ؛ إذا وقع بهم أمر فظيع.
قال ابن أحمر :
وقارعةٍ مِن الأيام لَوْلاَ...
سبيلهم لزاحت عنك حِينا
وقال آخر :
مَتَى تَقْرَعْ بمَرْوتِكُم نَسُوْكُمْ...
ولم تُوقَدْ لَنَا في القِدْرِ نَارُ
وقال تعالى :﴿ وَلاَ يَزَالُ الذين كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ ﴾ [ الرعد : ٣١ ] وهي الشديدة من شدائد الدهر.
قوله تعالى :﴿ مَا القارعة ﴾ استفهام ؛ أي أيّ شيء هي القارعة؟ وكذا ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة ﴾ كلمة استفهام على جهة التعظيم والتفخيم لشأنها ؛ كما قال :﴿ الحاقة * مَا الحآقة * وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحاقة ﴾ [ الحاقة : ١ ٣ ] على ما تقدّم.
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (٤)
"يوم" منصوب على الظرف، تقديره : تكون القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث.
قال قتادة : الفراش الطير الذي يتساقط في النار والسراج.
الواحدة فراشة، وقاله أبو عبيدة.
وقال الفراء : إنه الهَمَج الطائر، من بَعوض وغيره ؛ ومنه الجراد.
ويقال : هو أطيش من فراشة.
وقال :
طُوَيِّشٌ منْ نفرٍ أطْياشِ...
أطيشُ من طائرة الفَراشِ
وقال آخر :
وقدْ كانَ أقوامٌ رددتَ قُلُوبَهُمْ...
إليهم وكانوا كالفراشِ من الجَهْلِ
وفي صحيح مسلم عن جابر، قال : قال رسول الله ﷺ :" مثلي ومثَلُكُمْ كمثل رجل أوقد ناراً، فجعل الجنادِبُ والفَراشُ يَقَعْن فيها، وهو يذُبُّهنَّ عنها، وأنا آخُذُ بِحُجَزِكُمْ عن النار، وأنتمْ تُفْلِتونَ مِنْ يديِ " وفي الباب عن أبي هريرة.
والمبثوث المتفرق.
وقال في موضع آخر :﴿ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾ [ القمر : ٧ ].


الصفحة التالية
Icon