وقال ابن عاشور :
﴿ الْقَارِعَةُ (١) مَا الْقَارِعَةُ (٢) ﴾
الافتتاح بلفظ ﴿ القارعة ﴾ افتتاح مهول، وفيه تشويق إلى معرفة ما سيخبر به.
وهو مرفوع إما على الابتداء و ﴿ ما القارعة ﴾ خبره ويكون هناك منتهى الآية.
فالمعنى : القارعة شيء عظيم هي.
وهذا يجري على أن الآية الأولى تنتهى بقوله :﴿ ما القارعة ﴾.
وإمّا أن تكون ﴿ القارعة ﴾ الأولُ مستقلاً بنفسه، وعُدّ آية عند أهل الكوفة فيقدر خبرٌ عنه محذوف نحو : القارعة قريبة، أو يقدر فعل محذوف نحو أتتْ القارعة، ويكون قوله :﴿ ما القارعة ﴾ استئنافاً للتهويل، وجُعل آية ثانية عند أهل الكوفة، وعليه فالسورة مسمطة من ثلاث فواصل في أولها وثلاث في آخرها وفاصلتين وسطها.
وإعادة لفظ ﴿ القارعة ﴾ إظهار في مقام الإِضمار عدل عَنْ أن يقال : القارعة ماهِيهْ، لما في لفظ القارعة من التهويل والترويع، وإعادة لفظ المبتدأ أغنت عن الضمير الرابط بين المبتدأ وجملة الخبر.
والقارعة : وصف من القرع وهو ضرب جسم بآخر بشدة لها صوت.
وأطلق القرع مجازاً على الصوت الذي يتأثر به السامع تأثُّر خوف أو اتعاظ، يقال : قَرع فُلاناً، أي زجره وعَنَّفه بصوت غضب.
وفي المقامة الأولى :"ويقرع الأسماع بزواجر وعظه".
وأطلقت ﴿ القارعة ﴾ على الحدث العظيم وإن لم يكن من الأصوات كقوله تعالى :﴿ ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة ﴾ [ الرعد : ٣١ ] وقيل : تقول العرب : قرعت القوم قارعة، إذا نزل بهم أمر فظيع ولم أقف عليه فيما رأيت من كلام العرب قبل القرآن.
وتأنيث ﴿ القارعة ﴾ لتأويلها بالحادثة أو الكائنة.
و﴿ ما ﴾ استفهامية، والاستفهام مستعمل في التهويل على طريقة المجاز المرسل المركب لأن هول الشيء يستلزم تساؤل الناس عنه.
ف ﴿ القارعة ﴾ هنا مراد بها حادثة عظيمة.