ثم قال تعالى :﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ موازينه﴾ أي قلت : حسناته فرجحت السيئات على الحسنات قال أبو بكر رضي الله عنه : إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفاً، وقال مقاتل : إنما كان كذلك لأن الحق ثقيل والباطل خفيف.
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (٩) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (١٠)
أما قوله تعالى :﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ ففيه وجوه : أحدها : أن الهاوية من أسماء النار وكأنها النار العميقة يهوى أهل النار فيها مهوى بعيداً، والمعنى فمأواه النار، وقيل : للمأوى أم على سبيل التشبيه بالأم التي لا يقع الفزع من الولد إلا إليها وثانيها : فأم رأسه هاوية في النار ذكره الأخفش، والكلبي، وقتادة قال : لأنهم يهوون في النار على رؤوسهم وثالثها : أنهم إذا دعوا على الرجل بالهلاك قالوا : هوت أمه لأنه إذا هوى أي سقط وهلك فقد هوت أمه حزناً وثكلاً، فكأنه قيل :﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ موازينه﴾ فقد هلك.
ثم قال تعالى :﴿وَمَا أَدْرَاكَ ما هيه﴾ قال صاحب الكشاف :( هيه ) ضمير الداهية التي دل عليها قوله :﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ في التفسير الثالث : أو ضمير ( هاوية ) : والهاء للسكت فإذا وصل جاز حذفها والاختيار الوقف بالهاء لاتباع المصحف والهاء ثابتة فيه، وذكرنا الكلام في هذه الهاء عند قوله :﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [ البقرة : ٢٥٩ ] ﴿فَبِهُدَاهُمُ اقتده﴾ [ الأنعام : ٩٠ ] ﴿مَا أغنى عَنّى مَالِيَهْ﴾ [ الحاقة : ٢٨ ].
نَارٌ حَامِيَةٌ (١١)


الصفحة التالية
Icon