وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ القارعة ﴾
القرعُ هو الضربُ بشدةٍ واعتمادٍ بحيثُ يحصلُ منهُ صوتٌ شديدٌ وَهيَ القيامةُ التي مبدؤُهَا النفخةُ الأُولى ومُنتهاهَا فصلُ القضاءِ بينَ الخلائقِ كما مرَّ في سورةِ التكويرِ سميتْ بَها لأنَّها تقرعُ القلوبَ والأسماعَ بفنونِ الأفزاعِ والأهوالِ وتُخْرِجُ جميعَ الأجرامِ العلويةِ والسفليةِ منْ حالٍ إلى حالٍ السماءَ بالانشقاقِ والانفطارِ والشمسَ والنجومَ بالتكويرِ والانكدارِ والانتشارِ والأرضَ بالزلزالِ والتبديلِ والجبالَ بالدكِّ والنسفِ وهيَ مبتدأٌ خبرُهُ قولُه تعالَى :﴿ مَا القارعة ﴾ على أنَّ مَا الاستفهاميةَ خبرُ القارعةِ مبتدأٌ لا بالعكسِ لَما مرَّ غيرَ مرةٍ أنَّ محطَّ الفائدةِ هُوَ الخبرُ لا المبتدأُ ولا ريبَ في أنَّ مدارَ إفادةِ الهولِ والفخامةِ هُهَنا هُو كلمةُ مَا لاَ القارعةِ أَيْ أَيُّ شيءٍ عجيبٍ هيَ في الفخامةِ والفظاعةِ وقد وضعَ الظاهرَ موضعَ الضميرِ تأكيداً للتهويل وقوله تعالى :﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا القارعة ﴾ تأكيد لهولِها وفظاعتِها ببيانِ خروجِها عنْ دائرةِ علومِ الخلقِ على مَعْنى أنَّ عِظمَ شَأْنِها ومَدَى شِدَّتِها بحيثُ لا تكادُ تنالُه درايةُ أحدٍ حَتَّى يدريكَ بَها وَمَا فِى حيزِ الرفعِ على الابتداءِ وأدراكَ هو الخبرُ وَلا سبيل إلى العكسِ ههنا ومَا القارعةُ جملةٌ كما مَرَّ محلّها النصبُ على نزعِ الخافضِ لأنَّ أَدْرى يتعدَّى إلى المفعولِ الثانِي بالباءِ كما في قولِه تعالَى :﴿ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ ﴾ فلما وقعتْ الجملةُ الاستفهاميةُ معلقةً لهُ كانتْ فِي مَوْقعِ المفعولِ الثانِي له والجملةُ الكبيرةُ معطوفةٌ على ما قبلَها من الجملةِ الواقعةِ خبراً للمبتدأِ الأولِ أيْ وأيُّ شيءٍ أعلمكَ مَا شأنُ القارعةِ ولما كانَ هذَا منبئاً عن الوعدِ الكريمِ بإعلامِها أنجزَ ذلكَ بقولِه تعالَى :


الصفحة التالية
Icon