﴿ وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش ﴾ أي كالصوفِ الملونِ بالألوانِ المختلفةِ المندوفِ في تفرقِ أجزائِها وتطايرِها في الجوِّ حسبَما نطقَ بهِ قولُه تعالَى :﴿ وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب ﴾ وكِلا الأمرينِ من آثارِ القارعةِ بعد النفخةِ الثانيةِ عندَ حشرِ الخلقِ يبدلُ الله عزَّ وجلَّ الأرضَ غيرَ الأرضِ ويغيرُ هيئاتِها ويسيرُ الجبالَ عن مقارِّهَا عَلى ما ذُكِرَ منَ الهيئات الهائلةِ ليشاهدَها أهلُ المحشرِ وهيَ وإنْ اندكتْ وتصدعتْ عندَ النفخةِ الأُولى لكنْ تسييرها وتسويةَ الأرضِ إنما يكونانِ بعد النفخةِ الثانيةِ كما ينطقُ به قولُه تعالَى :﴿ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الجبال فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاَّ ترى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الداعى ﴾ وقولُه تعالى :﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ ﴾ فإن اتّباعَ الداعِي الذي هُو إسرافيلُ عليهِ السلامُ وبروزُ الخلقِ لله سبحانَهُ لا يكونُ إلا بعدَ البعثِ قطعاً وقد مرَّ تمامُ الكلامِ في سورةِ النمل وقولُه تعالَى :﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه ﴾ الخ بيانٌ إجماليٌّ لتحزبِ الناسِ إلى حزبينِ وتنبيهٌ على كيفيةِ الأحوالِ الخاصَّةِ بكلِّ منهُمَا إثرَ بيان الأحوالِ الشاملةِ للكُلِّ والموازينُ إمَّا جمعُ الموزونِ وهُوَ العملُ الذي لَهُ وزنٌ وخطرٌ عندَ الله كما قالَهُ الفَرَّاءُ أو جمعُ ميزانِ قالَ ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنهَما إنُّه ميزانٌ له لسانٌ وكِفتانِ لا يوزنُ فيهِ إلا الأعمالُ قالوا توضعُ فيه صحائفُ الأعمالِ فينظرُ إليهِ الخلائقُ إظهاراً للمعدلةِ وقطعاً للمعذرةِ وقيل : الوزنُ عبارةٌ عن القضاءِ السويِّ والحكمُ العادلِ وبهِ قال مجاهدٌ والأعمشُ والضحاكُ واختارَهُ كثيرٌ من المتأخرينَ قالوا إنَّ


الصفحة التالية
Icon