اتفقوا على أن جواب ( لو ) محذوف، وأنه ليس قوله :﴿لَتَرَوُنَّ الجحيم﴾ جواب ( لو ) ويدل عليه وجهان أحدهما : أن ما كان جواب لو فنفيه إثبات، وإثباته نفي، فلو كان قوله :﴿لَتَرَوُنَّ الجحيم﴾ جواباً للو لوجب أن لا تحصل هذه الرؤية، وذلك باطل، فإن هذه الرؤية واقعة قطعاً، فإن قيل : المراد من هذه الرؤية رؤيتها بالقلب في الدنيا، ثم إن هذه الرؤية غير واقعة قلنا : ترك الظاهر خلاف الأصل والثاني : أن قوله :﴿ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم﴾ [ التكاثر : ٨ ] إخبار عن أمر سيقع قطعاً، فعطفه على مالا يوجد ولا يقع قبيح في النظم، واعلم أن ترك الجواب في مثل هذا المكان أحسن، يقول الرجل للرجل : لو فعلت هذا أي لكان كذا، قال الله تعالى :﴿لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ﴾ [ الأنبياء : ٣٩ ] ولم يجيء له جواب وقال :﴿وَلَوْ تَرَى إِذ وُقِفُواْ على رَبّهِمْ﴾ [ الأنعام : ٣٠ ] إذا عرفت هذا فنقول : ذكروا في جواب لو وجوهاً أحدها : قال الأخفش : لو تعلمون علم اليقين ما ألهاكم التكاثر وثانيها : قال أبو مسلم لو علمتم ماذا يجب عليكم لتمسكتم به أو لو علمتم لأي أمر خلقتم لاشتغلتم به وثالثها : أنه حذف الجواب ليذهب الوهم كل مذهب فيكون التهويل أعظم، وكأنه قال : لو علمتم علم اليقين لفعلتم مالا يوصف ولا يكتنه، ولكنكم ضلال وجهلة، وأما قوله :﴿لَتَرَوُنَّ الجحيم﴾ فاللام يدل على أنه جواب قسم محذوف، والقسم لتوكيد الوعيد، وأن ما أوعدا به مما لا مدخل فيه للريب وكرره معطوفاً بثم تغليظاً للتهديد وزيادة في التهويل.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon