في تكرار الرؤية وجوه أحدها : أنه لتأكيد الوعيد أيضاً لعل القوم كانوا يكرهون سماع الوعيد فكرر لذلك ونون للتأكيد تقتضي كون تلك الرؤية اضطرارية، يعني لو خليتم ورأيكم ما رأيتموها لكنكم تحملون على رؤيتها شئتم أم أبيتم وثانيها : أن أولهما الرؤية من البعيد :﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً﴾ [ الفرقان : ١٢ ] وقوله :﴿وَبُرّزَتِ الجحيم لِمَن يرى﴾ [ النازعات : ٣٦ ] والرؤية الثانية إذا صاروا إلى شفير النار وثالثها : أن الرؤية الأولى عند الورود والثانية عند الدخول فيها، قيل : هذا التفسير ليس بحسن لأنه قال :﴿ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ﴾ والسؤال يكون قبل الدخول ورابعها : الرؤية الأولى للوعد والثانية المشاهدة وخامسها : أن يكون المراد لترون الجحيم غير مرة فيكون ذكر الرؤية مرتين عبارة عن تتابع الرؤية واتصالها لأنهم مخلدون في الجحيم فكأنه قيل لهم : على جهة الوعيد، لئن كنتم اليوم شاكين فيها غير مصدقين بها فسترونها رؤية دائمة متصلة فتزول عنكم الشكوك وهو كقوله :﴿مَّا ترى فِى خَلْقِ الرحمن مِن تفاوت﴾ - إلى قوله - ﴿ثمَ ارجع البصر كَرَّتَيْنِ﴾ [ الملك : ٣، ٤ ] بمعنى لو أعدت النظر فيها ما شئت لم تجد فطوراً ولم يرد مرتين فقط، فكذا ههنا، إن قيل : ما فائدة تخصيص الرؤية الثانية باليقين ؟ قلنا : لأنهم في المرة الأولى رأوا لهباً لا غير، وفي المرة الثانية رأوا نفس الحفرة وكيفية السقوط فيها وما فيها من الحيوانات المؤذية، ولا شك أن هذه الرؤية أجلى، والحكمة في النقل من العلم الأخفى إلى الأجلى التفريع على ترك النظر لأنهم كانوا يقتصرون على الظن ولا يطلبون الزيادة.
المسألة السابعة :