واعلم أن النعم أقسام فمنها ظاهرة وباطنة، ومنها متصلة ومنفصلة، ومنها دينية ودنيوية، وقد ذكرنا أقسام السعادات بحسب الجنس في تفسير أول هذه السورة، وأما تعديدها بحسب النوع والشخص فغير ممكن على ما قاله تعالى :﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ] واستعن في معرفة نعم الله عليك في صحة بدنك بالأطباء، ثم هم أشد الخلق غفلة، وفي معرفة نعم الله عليك بخلق السموات والكواكب بالمنجمين، وهم أشد الناس جهلاً بالصانع، وفي معرفة سلطان الله بالملوك، ثم هم أجهل الخلق، وأما الذي يروى عن ابن عمر أنه الماء البارد فمعناه هذا من جملته، ولعله إنما خصه بالذكر لأنه أهون موجود وأعز مفقود، ومنه قول ابن السماك للرشيد : أرأيت لو احتجت إلى شربة ماء في فلاة أكنت تبذل فيه نصف الملك ؟ فلا تغتر بملك كانت الشربة الواحدة من الماء قيمته مرتين ؛ أو لأن أهل النار يطلبون الماء أشد من طلبهم لغيره، قال تعالى :﴿أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء﴾ [ الأعراف : ٥ ] أو لأن السورة نزلت في المترفين، وهم المختصون بالماء البارد والظل، والحق أن السؤال يعم المؤمن والكافر عن جميع النعيم سواء كان مما لا بد منه ( أو لا )، وليس كذلك لأن كل ذلك يجب أن يكون مصروفاً إلى طاعة الله لا إلى معصيته، فيكون السؤال واقعاً عن الكل، ويؤكده ما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال :" لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به " فكل النعيم من الله تعالى داخل فيما ذكره عليه الصلاة والسلام.
المسألة الثالثة :
اختلفوا في أن هذا السؤال أين يكون ؟.


الصفحة التالية
Icon