الخامسة : قال العلماء : ينبغي لمن أراد علاج قلبه وانقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه، أن يكثر من ذكر هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، ومُوتم البنين والبنات، ويواظب على مشاهدة المحتضَرِين، وزيارة قبور أموات المسلمين.
فهذه ثلاثة أمور، ينبغي لمن قسا قلبه، ولزمه ذنبه، أن يستعين بها على دواء دائه، ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه ؛ فإن انتفع بالإكثار من ذكر الموت، وانجلت به قساوة قلبه فذاك، وإن عظم عليه ران قلبه، واستحكمت فيه دواعي الذنب ؛ فإن مشاهدة المحتضرين، وزيارة قبور أموات المسلمين، تبلغ في دفع ذلك ما لا يبلغه الأول ؛ لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير، وقائم له مقام التخويف والتحذير.
وفي مشاهدة من احتُضِر، وزيارة قبر من مات من المسلمين مُعايَنَةٌ ومشاهدة ؛ فلذلك كان أبلغ من الأوّل ؛ قال ﷺ :" ليس الخبر كالمعاينة " رواه ابن عباس.
فأما الاعتبار بحال المحتَضَرِين، فغير ممكن في كل الأوقات، وقد لا يتفق لمن أراد علاج قلبه في ساعة من الساعات.
وأما زيارة القبور فوجودها أسرع، والانتفاع بها أليق وأجدر.
فينبغي لمن عزم على الزيارة، أن يتأدّب بآدابها، ويحضر قلبه في إتيانها، ولا يكون حظه منها التطواف على الأجداث فقط ؛ فإن هذه حالة تشاركه فيها بهيمة.
ونعوذ بالله من ذلك.
بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى، وإصلاح فساد قلبه، أو نفع الميت بما يتلو عنده من القرآن والدعاء، ويتجنب المشي على المقابر، والجلوس عليها ويُسلم إذا دخل المقابر، وإذا وصل إلى قبر ميته الذي يعرفه سلم عليه أيضاً، وأتاه من تلقاء وجهه ؛ لأنه في زيارته كمخاطبته حياً، ولو خاطبه حياً لكان الأدب استقباله بوجهه ؛ فكذلك هاهنا.