فالأوّل في القبر، والثاني في الآخرة ؛ فالتكرار للحالتين.
وقيل :"كلا سوف تعلمون" عند المعاينة، أن ما دعوتكم إليه حق.
"ثم كلا سوف تعلمون" : عند البعث، أن ما وعدتكم به صدق.
وروى زِرُّ بنُ حُبَيْشٍ عن عليّ رضي الله عنه، قال : كنا نشك في عذاب القبر، حتى نزلت هذه السورة، فأشار إلى أن قوله :﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني في القبور.
وقيل :﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ : إذا نزل بكم الموت، وجاءتكم رُسُلٌ لِتَنْزِع أرواحكم.
﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ : إذا دخلتم قبوركم، وجاءكم مُنْكر ونَكِير، وحاط بكم هول السؤال، وانقطع منكم الجواب.
قلت : فتضمنت السورة القول في عذاب القبر.
وقد ذكرناه في كتاب "التذكرة" أن الإيمان به واجب، والتصديق به لازم ؛ حَسْبَمَا أخبَر به الصادق، وأن الله تعالى يحيي العبد المكلَّف في قبره، بردّ الحياة إليه، ويجعل له من العقل في مثل الوصف الذي عاش عليه ؛ ليعقل ما يُسأَل عنه، وما يُجيب به، ويفهم ما أتاه من ربه، وما أُعدّ له في قبره، من كرامة وهوانٍ.
وهذا هو مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أهل الملة.
وقد ذكرناه هناك مستوفى، والحمد لله.
وقيل :"كَلاَّ سوف تعلمون" عند النشور أنكم مبعوثون "ثمّ كلا سوف تعلمون" في القيامة أنكم معذبون.
وعلى هذا تضمنت أحوال القيامة من بعث وحَشْر، وسؤال وعَرْض، إلى غير ذلك من أهوالها وأفزاعها ؛ حسب ما ذكرناه في كتاب "التذكرة، بأحوال الموتى وأمور الآخرة".
وقال الضحاك :﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني الكفار، ﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ : قال المؤمنون.
وكذلك كان يقرؤها، الأولى بالتاء والثانية بالياء.
قوله تعالى :﴿ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين ﴾


الصفحة التالية
Icon