وقول الله جل جلاله :﴿فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحج﴾ مقيد بحج كل واحدٍ واحدٍ بعينه، والشخص المعين (حجه مقيد لا) مطلق، فلذلك أعيد لفظ الحج مظهرا فيتناول الفرض والتطوع. أ هـ ﴿تفسير ابن عرفة حـ ٢ صـ ٥٧٣﴾
" فوائد لغوية "
قال الإمام الفخر :
وأما قوله تعالى :﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحج﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن كثير وأبو عمرو ﴿فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ﴾ بالرفع والتنوين ﴿وَلاَ جِدَالَ﴾ بالنصب، والباقون قرؤا الكل بالنصب.
واعلم أن الكلام في الفرق بين القراءتين في المعنى يجب أن يكون مسبوقاً بمقدمتين الأولى : أن كل شيء له اسم، فجوهر الاسم دليل على جوهر المسمى، وحركات الاسم وسائر أحواله دليل على أحوال المسمى، فقولك : رجل يفيد الماهية المخصوصة، وحركات هذه اللفظة، أعني كونها منصوبة ومرفوعة ومجرورة، دال على أحوال تلك الماهية وهي المفعولية والفاعلية والمضافية، وهذا هو الترتيب العقلي حتى يكون الأصل بإزاء الأصل، والصفة بإزاء الصفة، فعلى هذا الأسماء الدالة على الماهيات ينبغي أن يتلفظ بها ساكنة الأواخر فيقال : رحل جدار حجر، وذلك لأن تلك الحركات لما وضعت لتعريف أحوال مختلفة في ذات المسمى فحيث أريد تعريف المسمى من غير التفات إلى تعريف شيء من أحواله وجب جعل اللفظ خالياً عن الحركات، فإن أريد في بعض الأوقات تحريكه وجب أن يقال بالنصب، لأنه أخف الحركات وأقربها إلى السكون.
المقدمة الثانية : إذا قلت : لا رجل بالنصب، فقد نفيت الماهية، وانتفاء الماهية يوجب انتفاء جميع أفرادها قطعاً، أما إذا قلت : لا رجل بالرفع والتنوين، فقد نفيت رجلاً منكراً مبهماً، وهذا بوصفه لا يوجب انتفاء جميع أفراد هذه الماهية إلا بدليل منفصل، فثبت أن قولك : لا رجل بالنصب أدل على عموم النفي من قولك : لا رجل بالرفع والتنوين.