فإنما ذكره بلفظ النبذ الدال على الإهانة، لأن الكافر كان يعتقد أنه من أهل الكرامة، وقرىء ( لينبذان ) أي هو وماله و ( لينبذن ) بضم الذال أي هو وأنصاره، وأما :﴿الحطمة﴾ فقال المبرد : إنها النار التي تحطم كل من وقع فيها ورجل حطمة أي شديد الأكل يأتي على زاد القوم، وأصل الحطم في اللغة الكسر، ويقال : شر الرعاء الحطمة، يقال : راع حطمة وحطم بغير هاء كأنه يحطم الماشية أي يكسرها عند سوقها لعنفه، قال المفسرون : الحطمة اسم من أسماء النار وهي الدركة الثانية من دركات النار، وقال مقاتل : هي تحطم العظام وتأكل اللحوم حتى تهجم على القلوب، وروي عن النبي ﷺ أنه قال :" إن الملك ليأخذ الكافر فيكسره على صلبه كما توضع الخشبة على الركبة فتكسر ثم يرمي به في النار "
واعلم أن الفائدة في ذكر جهنم بهذا الاسم ههنا وجوه : أحدها : الاتحاد في الصورة كأنه تعالى يقول : إن كنت همزة لمزة فوراءك الحطمة والثاني : أن الهامز بكسر عين ليضع قدره فيلقيه في الحضيض فيقول تعالى : وراءك الحطمة، وفي الحطم كسر فالحطمة تكسرك وتلقيك في حضيض جهنم لكن الهمزة ليس إلا الكسر بالحاجب، أما الحطمة فإنها تكسر كسراً لا تبقي ولا تذر الثالث : أن الهماز اللماز يأكل لحم الناس والحطمة أيضاً اسم للنار من حيث إنها تأكل الجلد واللحم، ويمكن أن يقال : ذكر وصفين الهمز واللمز، ثم قابلهما باسم واحد وقال : خذ واحداً مني بالإثنين منك فإنه يفي ويكفي، فكأن السائل يقول : كيف يفي الواحد بالإثنين ؟ فقال : إنما تقول : هذا لأنك لا تعرف هذا الواحد فلذلك قال :﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الحطمة ﴾.
نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (٦)