وقال تعالى :﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً ﴾ [ الفرقان : ١٢ ].
فوصفها بهذا، فلا يبعد أن توصف بالعلم.
إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)
أي مُطْبَقة ؛ قاله الحسن والضحاك.
وقد تقدّم في سورة "البَلَد" القول فيه.
وقيل : مُغلقة ؛ بلغة قريش.
يقولون : آصَدْتُ الباب : إذا أغلقته ؛ قاله مجاهد.
ومنه قول عُبيد الله بن قيس الرقيات :
إنَّ في القَصْرِ لَوْ دَخَلْنَا غَزَالاً...
مُصْفَقاً مُوصَداً عليهِ الحِجابُ
﴿ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ ﴾ الفاء بمعنى الباء ؛ أي موصدة بعمد ممدّدة، قاله ابن مسعود ؛ وهي في قراءته "بِعَمَدٍ مُمَدَّدةٍ" وفي حديث أبي هريرة عن النبيّ ﷺ :" ثُمَّ إنَّ الله يبْعَثُ إلَيهِمْ ملائكة بأطباق من نار، ومسامير من نار وعَمَد من نار، فتطبق عليهم بتلك الأطباق، وتشدّ عليهم بتلك المسامير، وتمدّ بتلك العَمد، فلا يَبْقى فيها خَللْ يدخل فيه رَوْح، ولا يخرج منه غمّ، وينساهم الرحمن على عرشه، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم، ولا يستغيثون بعدها أبداً، وينقطع الكلام، فيكون كلامهم زَفِيراً وشهيقاً ؛ فذلك قوله تعالى :﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ ﴾ " وقال قتادة :"عَمَد" يعذبون بها.
واختاره الطبريّ.
وقال ابن عباس : إن العَمَد الممدّدة أغلال في أعناقهم.
وقيل : قيود في أرجلهم ؛ قاله أبو صالح.
وقال القشيريّ : والمعظم على أن العمد أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار.
وتشدّ تلك الأطباق بالأوتاد، حتى يرجع عليهم غمها وحرها، فلا يدخل عليهم رَوْحٌ.
وقيل : أبواب النار مطبقة عليهم وهم في عَمَد ؛ أي في سلاسل وأغلالٍ مطوّلة، وهي أحكم وأرسخ من القصيرة.
وقيل : هم في عمد ممدّدة ؛ أي في عذابها وآلامها يُضْربون بها.
وقيل : المعنى في دهر ممدود ؛ أي لا انقطاع له.