تعالى أقسم على أن الدهر والعصر نعمة حاصلة لا عيب فيها، إنما الخاسر المعيب هو الإنسان وسادسها : أنه تعالى ذكر العصر الذي بمضيه ينتقص عمرك، فإذا لم يكن في مقابلته كسب صار ذلك النقصان عن الخسران، ولذلك قال :﴿لَفِى خُسْرٍ﴾ ومنه قول القائل :
إنا لنفرح بالأيام نقطعها.. وكل يوم مضى نقص من الأجل
فكأن المعنى : والعصر العجيب أمره حيث يفرح الإنسان بمضيه لظنه أنه وجد الربح مع أنه هدم لعمره وإنه لفي خسر والقول الثاني : وهو قول أبي مسلم : المراد بالعصر أحد طرفي النهار، والسبب فيه وجوه أحدها : أنه أقسم تعالى بالعصر كما أقسم بالضحى لما فيهما جميعاً من دلائل القدرة فإن كل بكرة كأنها القيامة يخرجون من القبور وتصير الأموات أحياء ويقام الموازين وكل عشية تشبه تخريب الدنيا بالصعق والموت، وكل واحد من هاتين الحالتين شاهد عدل ثم إذا لم يحكم الحاكم عقيب الشاهدين عد خاسراً فكذا الإنسان الغافل عنهما في خسر وثانيها : قال الحسن رحمه الله : إنما أقسم بهذا الوقت تنبيهاً على أن الأسواق قد دنا وقت انقطاعها وانتهاء التجارة والكسب فيها، فإذا لم تكتسب ودخلت الدار وطاف العيال عليك يسألك كل أحد ما هو حقه فحينئذ تخجل فتكون من الخاسرين، فكذا نقول : والعصر أي عصر الدنيا قد دنت القيامة و ( أنت ) بعد لم تستعد وتعلم أنك تسأل غداً عن النعيم الذي كنت فيه في دنياك، وتسأل في معاملتك مع الخلق وكل أحد من المظلومين يدعي ما عليك فإذا أنت خاسر، ونظيره :


الصفحة التالية
Icon