القول الثالث : وهو قول مقاتل : أراد صلاة العصر، وذكروا فيه وجوهاً أحدها : أنه تعالى أقسم بصلاة العصر لفضلها بدليل قوله :﴿والصلاة الوسطى﴾ [ البقرة : ٢٣٨ ] صلاة العصر في مصحف حفصة وقيل في قوله :﴿تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصلاة فَيُقْسِمَانِ بالله﴾ [ المائدة : ١٠٦ ] إنها صلاة العصر وثانيها : قوله عليه السلام :" من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " وثالثها : أن التكليف في أدائها أشق لتهافت الناس في تجاراتهم ومكاسبهم آخر النهار واشتغالهم بمعايشهم ورابعها : روي أن امرأة كانت تصيح في سكك المدينة وتقول : دلوني على النبي ﷺ فرآها رسول الله ﷺ، " فسألها ماذا حدث ؟ قالت : يا رسول الله إن زوجي غاب عني فزنيت فجاءني ولد من الزنا فألقيت الولد في دن من الخل حتى مات، ثم بعنا ذلك الخل فهل لي من توبة ؟ فقال عليه السلام : أما الزنا فعليك الرجم، أما قتل الولد فجزاؤه جهنم، وأما بيع الخل فقد ارتكبت كبيراً، لكن ظننت أنك تركت صلاة صلاة العصر " ففي هذا الحديث إشارة إلى تفخيم أمر هذه الصلاة (١)
وخامسها : أن صلاة العصر بها يحصل ختم طاعات النهار، فهي كالتوبة بها يختم الأعمال، فكما تجب الوصية بالتوبة كذا بصلاة العصر لأن الأمور بخواتيمها، فأقسم بهذه الصلاة تفخيماً لشأنها، وزيادة توصية المكلف على أدائها وإشارة منه أنك إن أديتها على وجهها عاد خسرانك ربحاً، كما قال :
﴿إِلاَّ الذين ءامَنُواْ﴾ [ الشعراء : ٢٢٧ ] وسادسها : قال النبي ﷺ :" ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يكلمهم ولا يزكيهم ( عد ) منهم رجل حلف بعد العصر كاذباً " فإن قيل صلاة العصر فعلنا، فكيف يجوز أن يقال : أقسم الله تعالى به ؟ والجواب : أنه ليس قسماً من حيث إنها فعلنا، بل من حيث إنها أمر شريف تعبدنا الله تعالى بها.

(١) دلالة الحديث على أهمية صلاة العصر واضحة، أي أن اهتمام المرأة العظيم الذي بدا بالبحث والسؤال عن رسول اللّه جعل الرسول يظن أنها تسأله عن أعظم الأشياء وهو صلاة العصر لا هذه الأشياء المعلومة أحكامها من الدين، ولعل هذه الحادثة كانت بقرب نزول سورة النصر، أو قول الرسول تبكيت للمرأة على سؤالها عن المعاصي لا عن الطاعات.


الصفحة التالية
Icon