القول الرابع : أنه قسم بزمان الرسول عليه السلام، واحتجوا عليه بقوله عليه السلام :" إنما مثلكم ومثل من كان قبلكم مثل رجل استأجر أجيراً، فقال : من يعمل من الفجر إلى الظهر بقيراط، فعملت اليهود، ثم قال : من يعمل من الظهر إلى العصر بقيراط، فعملت النصارى، ثم قال : من يعمل من العصر إلى المغرب بقراطين، فعملتم أنتم، فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا : نحن أكثر عملاً وأقل أجراً! فقال الله : وهل نقصت من أجركم شيئاً، قالوا : لا، قال : فهذا فضلي أوتيه من أشاء، فكنتم أقل عملاً وأكثر أجراً " فهذا الخبر دل على أن العصر هو الزمان المختص به وبأمته، فلا جرم أقسم الله به، فقوله :﴿والعصر﴾ أي والعصر الذي أنت فيه فهو تعالى أقسم بزمانه في هذه الآية وبمكانه في قوله :﴿وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد﴾ [ البلد : ٢ ] وبعمره في قوله :﴿لَعَمْرُكَ﴾ [ الحجر : ٧٢ ] فكأنه قال : وعصرك وبلدك وعمرك، وذلك كله كالظرف له، فإذا وجب تعظيم حال الظرف فقس حال المظروف، ثم وجه القسم، كأنه تعالى يقول : أنت يا محمد حضرتهم ودعوتهم، وهم أعرضوا عنك وما التفتوا إليك، فما أعظم خسرانهم وما أجل خذلانهم.
قوله تعالى :﴿إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
الألف واللام في الإنسان، يحتمل أن تكون للجنس، وأن تكون للمعهود السابق، فلهذا ذكر المفسرون فيه قولين الأول : أن المراد منه الجنس وهو كقولهم : كثر الدرهم في أيدي الناس، ويدل على هذا القول استثناء الذين آمنوا من الإنسان والقول الثاني : المراد منه شخص معين، قال ابن عباس : يريد جماعة من المشركين كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب.
وقال مقاتل : نزلت في أبي لهب، وفي خبر مرفوع إنه أبو جهل، وروي أن هؤلاء كانوا يقولون : إن محمداً لفي خسر، فأقسم تعالى أن الأمر بالضد مما توهمون.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon