الخسر الخسران، كما قيل : الكفر في الكفران، ومعناه النقصان وذهاب رأس المال، ثم فيه تفسيران، وذلك لأنا إذا حملنا الإنسان على الجنس كان معنى الخسر هلاك نفسه وعمره، إلا المؤمن العامل فإنه ما هلك عمره وماله، لأنه اكتسب بهما سعادة أبدية، وإن حملنا لفظ الإنسان على الكافر كان المراد كونه في الضلالة والكفر إلا من آمن من هؤلاء، فحينئذ يتخلص من ذلك الخسار إلى الربح.
المسألة الثالثة :
إنما قال :﴿لَفِى خُسْرٍ﴾ ولم يقل : لفي الخسر، لأن التنكير يفيد التهويل تارة والتحقير أخرى، فإن حملنا على الأول كان المعنى إن الإنسان لفي خسر عظيم لا يعلم كنهه إلا الله، وتقريره أن الذنب يعظم بعظم من في حقه الذنب، أو لأنه وقع في مقابلة النعم العظيمة، وكلا الوجهين حاصلان في ذنب العبد في حق ربه، فلا جرم كان ذلك الذنب في غاية العظم، وإن حملناه على الثاني كان المعنى أن خسران الإنسان دون خسران الشيطان، وفيه بشارة أن في خلقي من هو أعصى منك، والتأويل الصحيح هو الأول.
المسألة الرابعة :
لقائل : أن يقول قوله :﴿لَفِى خُسْرٍ﴾ يفيد التوحيد، مع أنه في أنواع من الخسر والجواب : أن الخسر الحقيقي هو حرمانه عن خدمة ربه، وأما البواقي وهو الحرمان عن الجنة، والوقوع في النار، فبالنسبة إلى الأول كالعدم، وهذا كماأن الإنسان في وجوده فوائد، ثم قال :﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ] أي لما كان هذا المقصود أجل المقاصد كان سائر المقاصد بالنسبة إليه كالعدم.
واعلم أن الله تعالى قرن بهذه الآية قرائن تدل على مبالغته تعالى في بيان كون الإنسان في خسر أحدها : قوله :﴿لَفِى خُسْرٍ﴾ يفيد أنه كالمغمور في الخسران، وأنه أحاط به من كل جانب وثانيها : كلمة إن، ، فإنها للتأكيد وثالثها : حرف اللام في ﴿لفي خسر﴾، وههنا احتمالان :


الصفحة التالية
Icon