"أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ" الذي كادوه وسعيهم الذي جاءوا من أجله لتخريب الكعبة "فِي تَضْلِيلٍ ٢" تضييع وخسران إذ لم يتمكنوا من تنفيذ ما صمموا عليه لأن اللّه تعالى أبطله باهلاكهم المبيّنة كيفته بقوله "وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ" عند ما وصلوا إلى حرم مكة وجزموا على دخولها وتخريب البيت ولم تنههم حرمثه وتعظيمه ولم يبالوا بسكانه وسدنته "طَيْراً أَبابِيلَ ٣" مثال الخطاف وهو جند من جنود اللّه صارت "تَرْمِيهِمْ" بما في منقارها وأرجلها "بِحِجارَةٍ" كأنها "مِنْ سِجِّيلٍ ٤" طين متحجر كالآجر أي اللبن المحرق بقصد اشتداد قوته وسمى سجيلا لأن سجيل علم للديوان الذي كتب فيه عذاب الكفّار كما سيأتي في سورة المطففين في ج ٢، أي أن تلك الطير رمت أبرهة وجيشه بعذاب من جملة العذاب المدون لأهل النار "فَجَعَلَهُمْ" ربك يا سيد الرسل "كَعَصْفٍ" زرع وتبن مهشم بوطئه "مَأْكُولٍ ٥" من الدواب ثم راثت به وفرقت أجزاءه، شبه تفرق القوم وتقطع أوصالهم بتفرق الروث بعد فتاته بجامع عدم الاجتماع في كل، أي أنهم صاروا كالروث ولكن لهجنته لم يذكره فجاء به بلفظ آخر يدل عليه على نمط الآداب القرآنية ليتعلم عباده التأديب عن مثلها، ولهذا ترى كثيرا من العارفين ينزهون ألسنتهم عن النطق بما يستهجن.
مطلب آداب العارفين وقصة الفيل :
وقد شاهدت شيخنا الشيخ بدر الدين الحسني شيخ دار الحديث بدمشق رحمه اللّه حين سأله أحد تلامذته في شهر رمضان سنة ١٣٤٣ عن معنى القذرة إذ مرت ت (١٢)
لنا أثناء الدرس الذي كنا نتلقاه عنه، فقال هي مثل ونيم الذباب، فسأله عنه فقال كرجيع الكلاب، فسأله عنه فقال كخشي البقر، فسأله عنه فقال كزرق الحمام ولم يزل يسأل حتى قال له مثل بعر الغنم والإبل، والروث للحمار والفرس هو الغائط للانسان محاولا بذلك عدم النطق بلفظها المشهور.