وقال الثعلبى :
سورة الفيل
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الفيل ﴾.
القصة وباللّه التوفيق.
قال محمد بن إسحاق : كان من قصة أصحاب الفيل فيما ذكر بعض أهل العلم عن سعيد ابن جُبير وعكرمة عن ابن عباس، وعمّن لقي من علماء أهل اليمن وغيرهم أن ملكاً من ملوك حمير يقال له زرعة ذو نواس كان قد تهوّد واستجمعت معه حمير على ذلك، إلاّ ما كان من أهل نجران، فإنّهم كانوا على النصرانيّة على أصل حكم الإنجيل، ولهم رأس يقال له عبد اللّه بن التامر، فدعاهم إلى اليهوديّة فأبوا فخيّرهم فاختاروا القتل فخدّ له أخدوداً وصنّف لهم أصناف القتل.
فمنهم من قتل صبراً، ومنهم من خدّ لهم فألقاه في النار إلاّ رجلا من أهل سبأ يقال له دوس بن ثعلبان، فذهب على فرس له فركض حتى أعجزهم في الرمل، فأتى قيصر فذكر له ما بلغ منهم واستنصره فقال : بعدت بلادك عنّا ولكنّي سأكتب لك إلى مَلِك الحبشة، فإنّه على ديننا فينصرك، فكتب إلى النجاشي يأمره بنصره.
فلمّا قدم على النجاشي بعث معه رجلا من أهل الحبشة يقال له : ارياط، فلمّا بعثه قال : إنْ دخلت اليمن فاقتل ثلث رجالها، واضرب ثلث بلادها وابعث إليّ بثلث سباياها، فلمّا دخلها ناوش شيئاً من قتال فتفرّقوا عن ذي نواس وخرج به فرسه، فاستعرض به البحر فضربه فهلكا جميعاً فكان آخر العهد، ودخلها أرياط فعمل بما أمر به النجاشي، فقال ذو حدر الحميري فيما أصاب أهل اليمن وترابهم :

وعيني لا أباً لك لم تُطيقي نجاك اللّه قد أنزفت ريقي
لدى عزف القيان إذ انتشينا وإذ نسقى من الخمر الرحيق
وشرب الخمر ليس عليّ [ عاراً ] إذا لم يشكني فيها رفيقي
وغمدان الذي حدثت عنه بنوه ممسكاً في رأس نيق
مصابيح السليط تلوح فيه إذا يمسي كتوماضِ البروقِ
فأصبح بعد جدّتهِ رماداً وغيّر حسنه لهب الحريق
واسلم ذو نواس مستميتاً وحذّر قومه ضنك المضيق


الصفحة التالية
Icon