قال : والمسيح لأبنينّ لكم خيراً منه فبنى لهم بيتاً عمله بالرخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود، وحلاّه بالذهب والفضة، وحفّه بالجواهر وجعل فيها ياقوتة حمراء عظيمة، وجعل له حُجّاباً، وكان يوقد بالمندلي ويلطخ جدره بالمسك فيسودها حتى تغيب الجواهر، وأمر الناس بحجّه، فحجّه كثير من قبائل العرب سنين، ومكث فيه رجال يتعبّدون ويتألّهون ونسكوا له.
وكان نفيل الخثعمي يورّض له ما يكره فأمهل، فلمّا كان ليلة من الليالي لم يَر أحداً يتحرّك، فقام فجاء بعذرة فلطّخ بها جبهته، وجمع جيفاً وألقاها فيه، فأُخبر إبرهة بذلك فغضب غضباً شديد وقال : إنما فعلت العرب غضباً لبيتهم، لأنقضنّه حجراً حجراً، وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك ويسأله أن يبعث إليه بفيله محمود، وكان فيلا لم يُر مثله في الأرض عظماً وجسماً وقوةً، فبعث به إليه.
فلمّا قدم عليه الفيل سار إبرهة بالناس ومعه ملك حمير ونفيل بن حبيب الخثعمي، فلمّا دنا من الحرم أمر أصحابه بالغارة على نِعَم الناس، فأصابوا إبلا لعبد المطّلب، وكان نفيل صديقاً لعبد المطّلب فكلّمه في إبله، فكلّم نفيل إبرهة فقال : أيّها الملك قد أتاك سيّد العرب وأفضلهم قدراً وأقدمهم شرفاً، يحمل على الجياد، ويعطي الأموال، ويُطعم الناس، فأدخله على إبرهة، فقال : حاجتك؟ قال : تردُّ عليّ إبلي. فقال ما أرى ما بلغني عنك إلاّ الغرور، وقد ظننت أن تكلّمني في بيتكم الذي هو شرفكم. فقال عبد المطّلب : اردد عليَّ إبلي ودونك البيت فإن له ربّاً سيمنعه.
فأمر بردّ إبله عليه، فلمّا قبضها قلّدها النعال وأشعرها وجعلها هدياً وثبتها في الحرم لكي يصاب منها شيء، فيغضب ربّ الحرم، وأوفى عبد المطّلب على خيل ومعه عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم بن مطعم بن عدي، وأبو مسعود الثقفي، فقال عبد المطّلب : اللهم إن المرء يمنع رحله وحلاله فامنع حلالك.


الصفحة التالية
Icon