قال : فأقبلت الطير من البحر أبابيل، مع كل طير ثلاثة أحجار : حجران في رجليه وحجر في منقاره، وقذفت الحجارة عليهم، لا تصيب شيئاً إلاّ هشمته إلاّ فقط ذلك الموضع، فكان ذلك أوّل ما رؤي من الجدري والحصبة والأشجار المرّة فأهمدتهم الحجارة، وبعث اللّه سيلا عاتياً فذهب بهم إلى البحر فألقاهم فيه، وولّى إبرهة ومن بقي معه هرابا، فجعل إبرهة يسقط عضواً عضواً.
وأما محمود فيل النجاشي فربض ولم يشجع على الحرم فنجا، وأمّا الفيل الآخر فشجع فحصب، ويقال : كانت اثني عشر فيلا.
قال ابن إسحاق : ولمّا ردّ اللّه الحبشة عن مكّة عظمت العرب قريشاً وقالوا : أهل اللّه، قاتل عنهم وكفاهم مؤونة عدوّهم، وقال عبد اللّه بن عمر بن مخزوم في قصة أصحاب الفيل :

وما لهم من فرج ومنفس... والمكركس : المنكوس المطروح. وقال أبو الصلت بن أُميّة بن مسعود في ذلك أيضاً :
أنت الجليل ربنا لم تدنسِ أنت حبست الفيل بالمغمَّس
من بعد ما هم بشر مبلس حبسته في هيئة المكركس
إن آيات ربنا باقياتٌ ما يُماري فيهنّ إلاّ الكفورُ
حبس الفيل بالمغمس حتى ظلّ يحبو كأنه معقور
حوله من ملوك كندة [ أبطال ] ملاويث في الحروب صقور
غادروه ثم انذعروا سراعاً كلّهم عظم ساقه مكسور
وقال الكلبي ومقاتل : كان صاحب الجيش إبرهة، وكان أبو يكسوم من وزرائه وندمائه، فلمّا أهلكهم اللّه سبحانه بالحجارة لم يفلت منهم إلاّ أبو يكسوم، فسار وطاير يطير فوقه ولم يشعر به حتى دخل على النجاشي فأخبره بما أصابهم، فلمّا استتمّ كلامه رماه الطائر فسقط فمات، فأرى اللّه النجاشي كيف كان هلاك أصحابه.


الصفحة التالية
Icon