أما في رجب فللعمرة، وأما في ذي الحجة فللحج، وكانت إحداهما في الشتاء، والأخرى في الصيف وموسم منافع مكة يكون بهما. فلو كان تم لأصحاب الفيل ما أرادوه لتعطلت هذه المنفعة والتقدير : رحلتي الشتاء والصيف أو رحلة الشتاء ورحلة الصيف فاقتصر لعدم الإلباس. وفي قوله ﴿ فليعبدوا ﴾ وجهان أحدهما : أن العبادة مأمور بها شكراً لما فعل بأعدائهم ولما حصل لهم من إيلافهم الذي صار سبباً لطعامهم وأمنهم كما مر. وقوله ﴿ من جوع ﴾ كقولهم " سقاه من العيمة " وهي من التعليلية أي الجوع صار سبباً للإطعام. وقوله ﴿ من خوف ﴾ هي للتعدية يقال " آمنه الله الخوف ومن الخوف ". الوجه الثاني : أن معناه فليتركوا رحلة الشتاء والصيف وليشتغلوا بعبادة رب هذا البيت فإنه يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف. ولعل في تخصيص لفظ الرب إشارة إلى ما قالوه لأبرهة " إن للبيت رباً سيحفظه " ولم يعولوا في ذلك على الأصنام فلزمهم لإقرارهم أن لا يعبدوا سواه كأنه يقول : لما عولتم في الحفظ عليّ فاصرفوا العبادة إليّ، وفي الإطعام وجوه أحدها : ما مر. والثاني : قول مقاتل : شق عليهم الذهاب إلى اليمن والشام في الشتاء والصيف لطلب الرزق فقذف الله تعالى في قلوب الحبشة أن حملوا الطعام إلى مكة حتى خرجوا إليهم بالإبل والحمر واشتروا طعامهم من جدة على مسيرة ليلتين، وتتابع ذلك فكفاهم الله مؤنة الرحلتين. والثالث : قال الكلبي : معنى الآية أنهم لما كذبوا محمد ﷺ دعا عليهم فقال : اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف. فاشتد عليهم القحط وأصابهم الجهد فقالوا : يا محمد ادع الله فإنّا مؤمنون فدعا رسول الله ﷺ وأخصب أهل مكة فذلك قوله ﴿ أطعمهم من جوع ﴾ ووجه المنة بالإطعام مع أنه ليس من أصول النعم في الظاهر أنه سبب الفراغ للعبادة، وفيه أن البهيمة تطيع من يعلفها ولا يليق بالإنسان أن يكون دون الأنعام، على أنه يندرج في الإطعام النعم السابقة