وقال ابن عاشور :
﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (١) ﴾
افتتاح مُبدع إذ كان بمجرور بلام التعليل وليس بإثْره بالقرب ما يصلح للتعليق به ففيه تشويق إلى متعلق هذا المجرور.
وزاده الطول تشويقاً إذ فصل بينه وبين متعلَّقه ( بالفتح ) بخمس كلمات، فيتعلق ﴿ لإيلاف ﴾ بقوله :﴿ فليعبدوا ﴾.
وتقديم هذا المجرور للاهتمام به إذ هو من أسباب أمرهم بعبادة الله التي أعرضوا عنها بعبادة الأصنام والمجرور متعلق بفعل "ليعبدوا".
وأصل نظم الكلام : لتَعْبُدْ قريشٌ ربَّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فلما اقتضى قصدُ الاهتمام بالمعمول تقديمه على عامله، تولَّدَ من تقديمه معنى جعله شرطاً لعامله فاقترن عامله بالفاء التي هي من شأن جواب الشرط، فالفاء الداخلة في قوله :﴿ فليعبدوا ﴾ مؤذنة بأن ما قبلها في قوة الشرط، أي مؤذنة بأن تقديم المعمول مقصود به اهتمام خاص وعناية قوية هي عناية المشترط بشرطه، وتعليق بقية كلامه عليه لما ينتظره من جوابه، وهذا أسلوب من الإِيجاز بديع.
قال في "الكشاف" : دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط لأن المعنى إمَّا لاَ فليعبدوه لإِيلافهم، أي أن نعم الله عليهم لا تحصى فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه الواحدة التي هي نعمة ظاهرة أ هـ.
وقال الزجاج في قوله تعالى :﴿ وربك فكبر ﴾ [ المدثر : ٣ ] دخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل : وما كان فلا تَدَعْ تكبيره أ هـ.
وهو معنى ما في "الكشاف".
وسكتا عن منشإ حصول معنى الشرط وذلك أن مثل هذا جار عند تقديم الجار والمجرور، ونحوه من متعلقات الفعل وانظر قوله تعالى :﴿ وإياي فارهبون ﴾ في سورة البقرة ( ٤٠ )، ومنه قوله تعالى :﴿ فبذلك فليفرحوا ﴾ في سورة يونس ( ٥٨ ) وقوله :﴿ فلذلك فادع واستقم ﴾ في سورة الشورى ( ١٥ ).
وقول النبي للذي سأله عن الجهاد فقال له : ألك أبوان؟ فقال : نعم.
قال : ففيهما فجاهدْ.