ألا ترى إلى فاتحة الكتاب وفيها ﴿ اهدنا الصراط المستقيم ﴾ [ الفاتحة : ٦ ]، فجاءت سورة البقرة :﴿ ذَلِكَ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ [ البقرة : ٢ ]، وبعدها ذكر أوصافهم وقال :﴿ أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ [ البقرة : ٥ ]، فأي أرتباط أقوى من هذا، كأنه يقول : الهدى الذي تطلبونه في هذا الكتاب فهو هدى للمتقين، وإن أراد اتصالاً حساً بعدم البسملة، فنظيرها سورة براءة مع الأنفال، ولكن لا حاجة إلى ذلك، لأن إجماع القراء على إقبات البسملة بينهما، اللهم إلا مصحف أُبي بن كعب، وليس في هذين الوجهين وجه أرجح من وجه.
ولذا لم يرجع بينهما أحد من المفسرين، سوى ابن جرير رحمه الله :
وصحة الوجهين أقوى وأعم في الامتنان وتعداد النعم.
والإيلاف : قيل من التأليف، إذ كانوا في رحلتيهم يألفون الملوك في الشام واليمن، أو كانوا هم في أنفسهم مؤلفين ومجمعين، وهو امتنان عليهم بهذا التجمع والتألف، ولو سلط عليهم لفرقهم وشتتهم، وأنشدوا :
أبونا قصي كان يدعي مجمعاً... به جمع الله القبائل من فهر
وقيل : من الألف والتعود، أي ألفوا الرحلتين.
فللإبقاء لهم على ما ألفوه وقريش قال أبو حيان : علم على القبلية.
وقيل : أصلها من النقرش، وهو الاجتماع أو التكسب والجمع.
وقيل : من دابة البحر المسماة بالقرش وهي أخطر حيواناته، وهو مروي عن ابن عباس في جوابه لمعاوية.
وأنشد في قول الشاعر :
وقريش هي التي تسكن الب... يحر بها سميت قريش قريشا
تأكل الرث والسمين ولا تترك... فيها لذي جناحين ريشا
هكذا في البلاد حي قريش... يأكلون البلاد أكلاً كميشا
ولهم آخر الزمان نبي... يكثر القتل فيهم والخموشا
وقوله تعالى :﴿ رِحْلَةَ الشتآء والصيف ﴾، هو تفسير لإيلاف سواء على ما كانوا يؤالفون بين الملوك في تلك الرحلات، أو ما كانوا يألفونه فيهما.


الصفحة التالية
Icon