فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)
المراد بالبيت : البيت الحرام، كما جاء في دعوة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ﴿ رَّبَّنَآ إني أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المحرم ﴾ [ إبراهيم : ٣٧ ].
وقوله تعالى :﴿ الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾.
بمثابة التعليل لموجب أمرهم بالعبادة، لأنه سبحانه الذي هيأ لهم هاتين الرحلتين اللتين كانتا سبباً في تلك النعم عليهم، فكان من واجلهم أن يشكروه على نعمه ويعبدوه وحده.
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه بيان هذا المعنى، عند قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ ﴾ [ العنكبوت : ٦٧ ] وساق النصوص بهذا المعنى بما أغنى عن إعادته.
تنبيه
في قوله تعالى :﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾، ربط بين النعمة وموجبها، كالربط بين السبب والمسبب.
ففيه بيان لموجب عبادة الله تعالى وحده، وحقه في ذلك على عباده جميعاً، وليس خاصاً بقريش. وهذا الحق قرره أول لفظ في القرآن، وأول نداء في المصحف، فالأول قوله تعالى :﴿ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين ﴾ [ الفاتحة : ٢ ]، كأنه يقول هو سبحانه مستحق للحمد، لأنه رب العالمين، أي خالفهم ورازقهم، وراحمهم إلى آخره.
والثاني :﴿ يَاأَيُّهَا الناس اعبدوا رَبَّكُمُ ﴾ [ البقرة : ٢١ ].
ثم بين الموجب بقوله :﴿ الذي خَلَقَكُمْ والذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [ البقرة : ٢١ ].
ثم عدد عليهم نعمه بقوله :﴿ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً والسماء بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢ ].