التكرير في قوله :﴿لإيلاف قُرَيْشٍ إيلافهم﴾ هو أنه أطلق الإيلاف أولاً ثم جعل المقيد بدلاً لذلك المطلق تفخيماً لأمر الإيلاف وتذكيراً لعظيم المنة فيه، والأقرب أن يكون قوله :﴿لإيلاف قُرَيْشٍ﴾ عاماً يجمع كل مؤانسة وموافقة كان بينهم، فيدخل فيه مقامهم وسيرهم وجميع أحوالهم، ثم خص إيلاف الرحلتين بالذكر لسبب أنه قوام معاشهم كما في قوله :﴿وَجِبْرِيلُ وميكائيل﴾ [ البقرة : ٩٨ ] وفائدة ترك واو العطف التنبيه على أنه كل النعمة، تقول العرب : ألفت كذا أي لزمته، والإلزام ضربان إلزام بالتكليف والأمر، وإلزام بالمودة والمؤانسة فإنه ءذا أحب المرء شيئاً لزمه، ومنه :﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى﴾ [ الفتح : ٢٦ ] كما أن الإلجاء ضربان أحدهما : لدفع الضرر كالهرب من السبع والثاني : لطلب النفع العظيم، كمن يجد مالاً عظيماً ولا مانع من أخذه لا عقلاً ولا شرعاً ولا حساً فإنه يكون كالملجأ إلى الأخذ، وكذا الدواعي التي تكون دون الالجاء، مرة تكون لدفع الضرر وأخرى لجلب النفع، وهو المراد في قوله :﴿إيلافهم ﴾.
المسألة الرابعة :
اتفقوا على أن قريشاً ولد النضر بن كنانة، قال عليه الصلاة والسلام :" إنا بني النضر بن كنانة لا نفقو أمناً ولا ننتفي من أبينا " وذكروا في سبب هذه التسمية وجوهاً أحدها : أنه تصغير القرش وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن، ولا تنطلق إلا بالنار وعن معاوية أنه سأل ابن عباس : بم سميت قريش ؟ قال : بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل، تعلو ولا تعلى، وأنشد :
وقريش هي التي تسكن البح.. ر بها سميت قريش قريشاً