ثم قال تعالى :﴿الذى أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ﴾ وفي هذه الإطعام وجوه أحدها : أنه تعالى لما آمنهم بالحرم حتى لا يتعرض لهم في رحلتيهم كان ذلك سبب إطعامهم بعدما كانوا فيه من الجوع ثانيها : قال مقاتل : شق عليهم الذهاب إلى اليمن والشام في الشتاء والصيف لطلب الرزق، فقذف الله تعالى في قلوب الحبشة أن يحملوا الطعام في السفن إلى مكة فحملوه، وجعل أهل مكة يخرجون إليهم بالإبل والخمر، ويشترون طعامهم من جدة على مسيرة ليلتين وتتابع ذلك، فكفاهم الله مؤونة الرحلتين ثالثها : قال الكلبي : هذه الآية معناها أنهم لما كذبوا محمداً ﷺ دعا عليهم، فقال :" اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فاشتد عليهم القحط وأصابهم الجهد فقالوا : يا محمد ادع الله فإنا مؤمنون، فدعا رسول الله ﷺ فأخصبت البلاد وأخصب أهل مكة بعد القحط، فذاك قوله :﴿أَطْعَمَهُم مّن جُوعٍ﴾ ثم في الآية سؤالات :
السؤال الأول : العبادة إنما وجبت لأنه تعالى أعطى أصول النعم، والإطعام ليس من أصول النعم، فلما علل وجوب العبادة بالإطعام ؟ والجواب : من وجوه أحدها : أنه تعالى لما ذكر إنعامه عليهم بحبس الفيل وإرسال الطير وإهلاك الحبشة، وبين أنه تعالى فعل ذلك لإيلافهم، ثم أمرهم بالعبادة، فكان السائل يقول : لكن نحن محتاجون إلى كسب الطعام والذب عن النفس، فلو اشتغلنا بالعبادة فمن ذا الذي أيطعمنا، فقال : الذي أطعمهم من جوع، قبل أن يعبدوه، ألا يطعمهم إذا! وثانيها : أنه تعالى بعد أن أعطى العبد أصول النعم أساء العبد إليه، ثم إنه يطعمهم مع ذلك، فكأنه تعالى يقول : إذا لم تستح من أصول النعم ألا تستحي من إحساني إليك بعد إساءتك وثالثها : إنما ذكر الإنعام، لأن البهيمة تطيع من يعلفها، فكأنه تعالى يقول : لست دون البهيمة.


الصفحة التالية
Icon