هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبيٌّ يُكثر القتل فيهمُ والخموشا
يملأ الأرض خيله ورجالا يحسرون المطيّ حسراً كشيشا
وقوله :﴿ إِيلاَفِهِمْ ﴾ بدل من الإيلاف الأوّل ويرخمه له، ومن أسقط الياء من الايلاف احتجَ بقول ابي طالب يوصي أبا لهب برسول اللّه ﷺ :
ولا تتركنه ما حييت لمعظم وكن رجلا ذا نجدة وعفافِ
تذود العدا عن عصبة هاشمية إلافهم في الناس خيرُ إلافِ
﴿ رِحْلَةَ الشتآء والصيف ﴾ اختلفوا في وجه انتصاب الرحلة فقيل : نصبت على المصدر أي ارتحالهم رحلة، وإنْ شئت نصبته بوقوع إيلافهم عليه، وإنْ شئت على الظرف بمعنى : على رحلة، وإنْ شئت جعلتهما في محل الرفع على معنى هما رحلتا الشتاء والصيف، والأول أعجب وأحبّ إليّ لأنّها مكتوبة في المصاحف بغير ياء.
وأمّا التفسير : فروى عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كانوا يشتون بمكّة ويصيفون بالطائف، فأمرهم اللّه سبحانه أن يشتوا بالحرم ويعبدوا ربّ البيت.
وقال أبو صالح : كانت الشام فيها أرضٌ باردة وفيها أرض حارة، وكانوا يرتحلون في الشتاء إلى الحارة، وفي الصيف إلى الباردة وكانت لهم رحلتان كلّ عام للتجارة : أحدهما في الشتاء إلى اليمن ؛ لأنها أدفأ، والأُخرى في الصيف إلى الشام، وكان الحرم وادياً جدباً لا زرع فيه ولا ضرع، ولا ماء ولا شجر، وإنّما كانت قريش تعيش بها بتجارتهم ورحلتهم، وكانوا لا يُتعرض لهم بسوء.


الصفحة التالية
Icon